إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ أَعْنِي التِّرْمِذِيَّ. وَمَعْنَى النَّهْيِ أَنْ يَخْتَصَّهُ الرَّجُلُ بِالصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ يُعَظِّمُونَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي دَاوُد إنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُ كِذْبٌ فَمَرْدُودٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ كَمَا قَالَا وَقَدْ صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
وَالصَّوَابُ عَلَى الْجُمْلَةِ كَرَاهَةُ إفْرَادِهِ إذَا لَمْ يُوَافِق عَادَةً لَهُ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ مَا صَوَّبَهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ جَلَّتْ مَرْتَبَةُ مَالِكٍ فَضْلًا عَنْ أَبِي دَاوُد وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْثَرُ مَا يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَكَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ» ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُمَا لَا إفْرَادَ فِيهِ فَلَا مُشَابَهَةَ فِيهِ لِفِعْلِ الْكُفَّارِ إذْ تَعْظِيمهمَا مَعًا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَانْدَفَعَ اسْتِدْلَالُ الْأَذْرَعِيِّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَه إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالصَّوْمِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِي كَرَاهَةِ يَوْمِ السَّبْتِ أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصَهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَشْغَالِ مَنْ عَوَائِد الْيَهُودِ. وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ كَانَ هَذَا النَّهْيُ إنْ صَحَّ أَيْ وَقَدْ صَحَّ كَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ لِإِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ تَعْظِيمًا لَهُ فَيَكُونُ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْيَهُودِ وَقَضِيَّةُ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَرَاهَةُ إفْرَادِ الْأَحَدِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَارَى تُعَظِّمُهُ فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَرَّ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُمَا مَعًا لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمهُ أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْمِلَلِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَكَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ وَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفهُمْ وَكَذَلِكَ خَبَر التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّ مَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِلَهُ بِيَوْمِ الْخَمِيسِ.
وَذَكَر الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِ أَهْلِ الْمِلَلِ بِالصَّوْمِ كَفَصْحِ النَّصَارَى وَفَطِيرِ الْيَهُودِ وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَان اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ قِيَاسٌ مَا مَرَّ فِي صَوْمِ السَّبْت وَالْأَحَد الْكَرَاهَة؛ لِأَنَّ فِي صَوْمِهَا تَعْظِيمًا لَهَا وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَإِنَّمَا كُرِهَ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عِيدُنَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَصُومُونَ فِي عِيدِهِمْ فَكُرِهَ التَّشَبُّهُ بِهِمْ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ صَحَّ مَا ذَكَره عَنْهُمْ أَيْ مِنْ أَنَّهُمْ يَصُومُونَ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَالْوَجْهُ كَرَاهَةُ إفْرَادِ أَيَّامِ أَعْيَادِهِمْ بِالصَّوْمِ عَكْسُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِمَا فِيهِ مَنْ مُوَافَقَتِهِمْ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَوْجُه كَرَاهَةُ صَوْمِهَا، وَإِنْ كَانُوا لَا يَصُومُونَهَا أَلَا تَرَى إلَى كَرَاهَةِ إفْرَادِ السَّبْتِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَصُومُونَهُ وَكَذَا الْأَحَدِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصَهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَشْغَالِ مِنْ عَوَائِدِ الْيَهُودِ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ أَعْيَادِهِمْ فَقَالَ بِالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَشْغَالِ مَنْ عَوَائِدِ الْكَفَرَةِ فَكُرِهَ التَّشَبُّه بِهِمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءً كَانُوا يَصُومُونَهَا أَمْ لَا.
وَيُكْرَهُ إدَامَةُ قِيَامِ كُلِّ اللَّيْلِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْعَيْنِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَفَرَّقَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ كَرَاهَةِ صِيَامِ الدَّهْرِ بِأَنَّ ذَاكَ مُضِرٌّ دُون هَذَا وَبِأَنَّ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ يُمْكِنهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِاللَّيْلِ مَا فَاتَهُ مِنْ أَكْلِ النَّهَارِ وَمُصَلِّي اللَّيْلِ لَا يُمْكِنهُ نَوْمُ النَّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ اهـ وَنَازَعَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي هَذَا الْفَرْقِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي اسْتِوَاؤُهُمَا يَرُدّهُمَا تَصْرِيحُ الْحَدِيثِ بِأَنَّ قِيَامَ كُلِّ اللَّيْلِ مُضِرٌّ وَلَمْ يُصَرِّح بِنَظِيرِهِ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ وَحِكْمَتُهُ مَا مَرَّ وَأَنَّ مَنْ قَامَ كُلَّ اللَّيْلِ لَا يَحْتَاجُ لِنَوْمِ غَالِبِ النَّهَارِ بَلْ يَكْفِيه سَاعَةٌ مِنْهُ يَرُدّهَا أَنَّ الْحِسَّ بِخِلَافِهَا وَأَنَّ مَنْ قَامَهُ كُلَّهُ كَمَنْ هَجَعَ مِنْهُ هَجْعَةً فَلَا يُكْرَهُ لِلْأَوَّلِ قِيَامُهُ كَالثَّانِي يَرُدّهَا الْحِسّ أَيْضًا إذْ نَوْمُ بَعْضِهِ، وَإِنْ قَلَّ يُزِيلُ ضَرَرَهُ بِخِلَافِ سَهَرِ كُلِّهِ وَالْكَلَامُ فِي الْقَوِيِّ الْقَادِرِ الْفَارِغِ عَنْ الشَّوَاغِلِ الْمُتَلَذِّذ بِمُنَاجَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute