للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَبِيبِ الْمُنْعِمِ بِهَا ثُمَّ اُسْتُحْسِنَ قَوْلُ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ يُكْرَه قِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِمَنْ يُضْعِفُهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ، وَقَوْلُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ قِيَامُ كُلِّهِ فِعْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّفْقِ بِالْأُمَّةِ وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِكَ فِيمَنْ يَجِد بِهِ مَشَقَّةً يَخْشَى مِنْهَا مَحْذُورًا وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ لَا سِيَّمَا بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لَمْ يُكْرَه لَهُ وَرِفْقه بِنَفْسِهِ أَوْلَى اهـ.

وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَضُرُّ فَلَا فَرْقَ بَيْن مَنْ يَجِد مِنْهُ ضَرَرًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِد مِنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجِدَهُ وَلَوْ بَعْد مُدَّةٍ فَكَانَ الْمُعْتَمَدُ مَا أَطْلَقَهُ النَّوَوِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرُهُ التَّقْيِيدُ بِالْإِضْرَارِ وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ يَحْرُم لَهُ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ فَإِنْ أَرَادَ الْإِضْرَارَ بِالْفِعْلِ فَلَا نُسَلِّم أَنَّ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ مَظِنَّةَ الْإِضْرَارِ فَهُوَ مَا قُلْنَاهُ وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ دَالٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالتَّقْيِيدُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ ظَاهِرُهُ انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ لِتَرْكِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالتَّوَجُّهُ إسْقَاطُ التَّقْيِيدِ وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يَضُرُّ سَوَاءً كَانَ هُوَ الْجَمِيعُ أَمْ لَا وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِيه وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ قَرِيبًا مِنْهُ وَسَاقَ مَا مَرَّ عَنْهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لَيْسَ مِنْ وَقْتِ النَّوْمِ الْمُعْتَادِ وَأَيْضًا فَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مَا يَنْشَأُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَرْكِ النَّوْمِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَيْنهمَا وَلَمْ يَنَمْ فَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ لِخُلُوِّ كُلَّ اللَّيْلِ عَنْ النَّوْمِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ، وَإِنْ نَامَ فَقَدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَهِيَ أَشَدُّ اهـ.

وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ دَائِمًا عَنْ إحْيَاءِ بَعْضِ اللَّيَالِي فَإِنَّهُ لَا يُكْرَه؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحْيِي لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيُسَنُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَيُكْرَهُ أَيْضًا تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ أَيْ الصَّلَاة سَوَاءٌ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ اسْتِحْبَابِ إحْيَائِهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَامَ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَعْدَهَا كَمَا قَالُوا فِي صَوْمِ يَوْمِهَا كَذَلِكَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةَ هُنَا أَنَّ قِيَامَهَا يُؤَدِّي إلَى الْإِضْعَافِ فِي يَوْمِهَا عَنْ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ فَكَانَ كَصِيَامِ يَوْمِهَا وَمِنْ ثَمَّ لَا يُكْرَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ غَيْرَهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدهمْ الْكَرَاهَةِ بِلَيْلَتِهَا وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ وَلِلْأَذْرَعِيِّ احْتِمَالٌ بِالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَمَال إلَيْهِ الْغَزِّيُّ فَقَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَغَيْرُهَا بِالْمَنْعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِدْعَةٌ اهـ.

وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْته فِي سَبَبِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَوْلَى، وَأَمَّا كَوْنُ تَخْصِيصِ غَيْرِهَا بِالْقِيَامِ بِدْعَةٌ فَلَا شَكَّ فِيهِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ مَنْعِ الْقِيَاسِ عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ كَلَامُهُ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ فَقِيهٍ يُحَدِّثُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّ صَوْمَ رَجَب مُسْتَحَبٌّ وَصَوْمَ بَاقِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَيْضًا مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ فَحَدَّثَ فَقِيهٌ آخَرُ أَنَّ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَرَجَب غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَنَهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ الصَّوْمَ لِأَجْلِ نَهْيِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس مِنْ رَجَب وَالنَّاهِي عَنْ الصَّوْمِ مُسْتَدِلٌّ بِمَا ذَكَره الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْمَكْرُوهِ اعْتِيَادُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَذَكَر عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهَا فَقَالَ أَكْرَه أَنْ نُوَقِّت عَلَيْك يَوْمًا تَصُومهُ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ لَا تَجْعَل عَلَيْك يَوْمًا حَتْمًا وَعَنْ أَنَسٍ إيَّاكَ أَنْ تَكُونَ اثْنَيْنِيًّا أَوْ خَمِيسِيًّا أَوْ رَجَبِيًّا قَالَ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَصُومُهُمَا ثُمَّ تَرَكَهُ وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ تَخْصِيصَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ بِالصَّوْمِ دَائِمًا تَشْبِيهٌ بِرَمَضَانَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَبَّهُ بِهِ مَا لَمْ يُشَبِّهُ اللَّهُ بِهِ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّوَسُّطِ وَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ غَرِيبٌ اهـ فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدكُمْ بَيِّنُوهُ لَنَا وَاضِحًا وَابْسِطُوا لَنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ.

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>