وَعَشِيًّا وَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ صِحَّةَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ السَّبْتِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إفْرَادِهِ.
ثَالِثُهَا أَيَّامُ الْبِيضِ ثَالِثُ عَشَرَ وَرَابِعُ عَشَرَ وَخَامِسُ عَشَرَ رَوَى النَّسَائِيّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ» وَفِي حَدِيثِ مُسْلِم عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ الثَّلَاثَةَ» وَلَعَلَّهُ تَرَكَ تَعْيِينهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِئَلَّا يُظَنُّ وُجُوبُهُ.
رَابِعُهَا ثَلَاثَةٌ كَمَا مَرَّ عِنْد مُسْلِم.
خَامِسُهَا ثَلَاثَةٌ أَوَّل كُلِّ شَهْرٍ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُرَّةَ كُلِّ شَهْرٍ» وَيُسَنُّ أَيْضًا صَوْمُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَتَالِيَيْهِ وَتُسَمَّى الْأَيَّامَ السُّودَ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ عَنْهَا جَوَابَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَتهَا إذَا أَخْبَرَ الثِّقَةُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ حَيْثُ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد قَاضٍ أَمْ لَا يَجِب الصَّوْمُ عَلَى الْمُخْبِرِ إلَّا إذَا ذَكَره عِنْد قَاضٍ أَجَابَ الْأَوَّلُ فَقَالَ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ الثِّقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد قَاضٍ حَيْثُ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ كَمَا ذَكَره ابْنُ عَبْدَانَ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُمْ وَأَجَابَ الثَّانِي فَقَالَ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ الثِّقَةُ إذَا لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد قَاضٍ، وَإِنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب الصَّوْمُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ الْمُتَّفَق عَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» فَثَبَتَ أَنَّهُ شَهَادَةٌ بِنَصِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِمَامِ الْمَذْهَبِ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَإِطْرَاحُ مَا عَدَاهُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي.
الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ الصَّيْرَفِيّ نَائِبُ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ أَجَابَ بِأَنَّ الرَّائِينَ إذَا لَمْ يَشْهَدُوا عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَلْزَم مَنْ لَمْ يَرَهُ الْعَمَلَ بِقَوْلِ مَنْ رَآهُ وَلَوْ كَثُرُوا وَلَهُ الْفِطْرُ إلَى اسْتِكْمَالِ شَعْبَان ثَلَاثِينَ وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِر يَوْمٍ مِنْهُ وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّال لَهُ اسْتِكْمَالُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ إنْ لَمْ يَرَهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّقْلَ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِهِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَيْ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَم الْمُخْبَر بِفَتْحِ الْبَاءِ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ بِكَسْرِهَا إلَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَمَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمَذْهَبُ فَلَا يَلْزَم الْمُخْبَرُ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ ثُمَّ نَقَلَ أَيْ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ عَبْدَانِ وَمَنْ وَافَقَهُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا مِنْهُمَا.
لَكِنَّ قَضِيَّةَ تَقْدِيمِهِ النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَتَفْرِيعِهِ عَلَى ذَلِكَ وَبِنَائِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ كَمَا ذَكَر يَقْتَضِي تَرْجِيحُ مَا قَالَاهُ أَيْ فِي أَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ دُونَ الْإِخْبَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» فَثَبَتَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَتَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ شَهَادَةُ عَدْلٍ لُزُومَ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُت عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَره الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّوَسُّطِ حَيْثُ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُنَازِعُ فِي أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْحَاكِمُ رَعِيَّتَهُ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ أَوْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُمْ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يُشْهَدَ بِهِ عِنْد قَاضٍ آخَر بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ اهـ جَوَاب الصَّيْرَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ابْنِ نَاصِرٍ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ أَفْهَم أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ بِالرُّؤْيَةِ مَنْ يُعْتَقَدُ صِدْقُهُ وَلَمْ يَتَّصِل بِالْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ اهـ وَقَدْ صَرَّحَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْد الْقَاضِي اهـ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ عِنْد الْإِمَامِ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ الصِّيَامُ اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَثْبُت الشَّهَادَةُ عِنْد الْإِمَامِ لَا يَلْزَمُ النَّاسَ الصِّيَامُ وَأَجَابَ بِنَحْوِ جَوَابِ الصَّيْرَفِيِّ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ حَيْثُ قَالَ لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ عِنْد غَيْرِ الْقَاضِي وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ مَا تَقْتَضِيه نُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَمَفَاهِيمه فَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute