للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّاغِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ مَنْ يُسْمَعُ كَلَامُهُ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنُصِّبَ فِي الْبَلَدِ عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ فَقِيهًا نَفَذَ حُكْمُهُ وَسَمَاعُهُ أَدَاءَ الشَّهَادَاتِ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ كَمَا ذَكَره فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا اهـ ثُمَّ سُئِلَ أَيْضًا عَنْ بِلَادٍ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ وَفِيهَا رَجُلٌ يَظُنّ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ فَيَأْتِيه عَدْلٌ وَاحِدٌ يَشْهَدُ عِنْده بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَيَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَاضٍ فَهَلْ امْتِنَاعُهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ؟

فَأَجَابَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَأَمْثَالِهِ وَالْحُكْمُ بِهَا لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ غَيْر قَاضٍ لَكِنْ يَتَعَيَّن عَلَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ تَوْلِيَةُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِعَانَته فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلَّا أَثِمُوا لِإِخْلَالِهِمْ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَيَجِبُ تَنْبِيههمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِعْلَامُهُمْ وَزَجْرُهُمْ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ وَلَّوْهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمُ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم اهـ جَوَابُهُ ثُمَّ أَجَابَ بِنَحْوِ جَوَابِهِمَا أَيْضًا بَعْضُ عُلَمَاءِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَقَالَ إذَا لَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ شَهْرَ رَمَضَانَ عِنْد نُقْصَانِ شَعْبَان فَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ وَصَوْمُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِحُجَّةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَأَمَّا جَوَازُ صَوْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَ شَكٍّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ إلَّا إذَا ادَّعَى عِنْد قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ اهـ جَوَابُهُ.

وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ نَاصِرٍ حَيْثُ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ وَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَالَ لَكِنَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَمًّا الْمَكَانُ الَّذِي لَا قَاضِيَ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ يُنَصِّبُوا مُحَكَّمًا يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ اهـ

وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ الشَّرِيفُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُقْتَضَى هَذَا وَمَا سَبَقَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عِنْد قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ مَنْصُوب وَذَكَر الْإِمَامُ الْعِمَادُ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ أَخْبَرَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَدْلٌ وَاحِدٌ أَوْ عُدُولٌ هَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ إنْ قُلْنَا أَنَّهُ رِوَايَةٌ وَجَبَ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْد صَاحِبِ الشَّامِلِ اهـ.

وَفِي مَوْضِعٍ آخَر مِنْ تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِرُؤْيَتِهِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَلْزَم الصَّوْمُ عَلَى الصَّحِيحِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ اهـ فَيُفْرَض الْكَلَامُ فِي أَنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ دُونَ الْإِخْبَارِ لِمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا» فَثَبَتَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَتَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْإِخْبَارِ بِهِ حُكْمَ الشَّهَادَاتِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرٍ، وَقَوْل النَّاظِمِ:

كَمِثْلِ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ ... عَنْ فَرِيضَةِ الشَّهْرِ بِجَزْمٍ أَوْ بِظَنٍّ

أَنَّ الظَّنَّ إمَّا بِرُؤْيَتِهِ أَوْ ثُبُوتِهِ لَدَى الْقَاضِي اهـ قَالَ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَةٍ أَوْ وَاحِدٌ إذَا جَوَّزْنَاهُ وَجَبَ الصَّوْمُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَطْنَا عَدْلَيْنِ فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَتَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي اهـ.

وَأَطْلَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ بِهِ عِنْد الْقَاضِي وَذَكَره أَيْضًا الْبَارِزِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرهمْ.

الْأَمْرُ الرَّابِعُ سَبَقَ أَنَّ الْإِمَامَ وَابْنَ الصَّبَّاغِ ذَكَر أَنَّ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ قَبُولَ قَوْلِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ اهـ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَيُرَجَّحُ عِنْده ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ أَنْ لَا يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتهمْ؛ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُونَ غَيْرِهِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَلِّدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ إذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>