يَبْلُغ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُول عَنْهَا فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مُقَلِّدٌ لِلْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلِقِ لَا يَجُوز لِلْمُقَلِّدِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَتْرُكَ مَذْهَبَ إمَامِهِ وَيَعْمَل بِمَا قَالَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُقَلِّد كَذَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْكَازَرُونِيُّ شَيْخُ الْحَرَمِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ أَيْضًا نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُفْتِيَ بِمُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفِينَ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَزْمِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ يَجْزِمُ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور اهـ وَهَذَا أَيْضًا مِثْلُ مَا سَبَقَ مِنْ اخْتِيَارِ ابْنِ عَبْدَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقِيُّ لَوْ وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اخْتِلَافًا لِلْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ اعْتَمَدَ تَصْحِيحَ الْأَكْثَرِ اهـ وَفِي مُقَدِّمَةِ الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ لَمْ يُخَالِفَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا فَأَجَابَاهُ بِمَا وَجَدَاهُ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ إلَّا ذُهُولًا عَنْ النَّصِّ قَالَ وَكَثِيرًا مَا يُخَالِف الْأَصْحَابُ النَّصَّ لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَكِنْ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ اهـ.
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَصْبَحِيُّ، وَإِذَا وُجِدَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ وَالتَّصْحِيحُ بِخِلَافِهِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى نَصِّهِ إذْ الْفَتْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيدِ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَقْلِيدُهُ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فَقَدْ كَانَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ لَا يُفْتُونَ إلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدهمْ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ كَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ فِي تَعْلِيقِهِ كُنْت أَذْهَبُ إلَى كَذَا وَكَذَا حَتَّى رَأَيْت نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى كَذَا وَكَذَا ثُمَّ آخُذُ بِالنَّصِّ وَأَتْرُكُ مَا كُنْت عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْأَصْبَحِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ لَا اعْتِبَار مَعَ نَصِّ صَاحِبِنَا بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ بَلْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى النَّصِّ وَلَوْ كَانَ الْمُخَالِفُونَ لَهُ أَكْثَرَ فَإِنْ تَسَاوَوْا رَجَّحْنَا بِنَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ تَارَةً يَكُونُ بِبَيَانِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ التَّرْجِيحَانِ مِقْدَارًا وَأَعْلَاهَا مَنَارًا وَتَارَةً بِمُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذ بِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَيْف تُسَوِّغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَلَامَ الْأَكْثَرِينَ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَى تَصْحِيحٍ يُخَالِف ذَلِكَ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَجَبَ عَلَى أَصْحَابِهِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُمْ مَعَ الشَّافِعِيِّ كَالشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ نُصُوصِ الشَّارِعِ وَلَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ عِنْد الْقُدْرَةِ عَلَى النَّصِّ ثُمَّ قَالَ هُوَ وَالْأَذْرَعِيُّ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي مُخَالَفَةِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. زَادَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَتَى وُجِدَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَاحَ مَا خَالَفَهُ.
الْأَمْرُ الْخَامِسُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذَا امْتَنَعُوا مِنْ مُخَالَفَةِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُمْ بَلَغُوا دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ فَالِامْتِنَاعُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغهَا أَوْلَى فَحِينَئِذٍ الْحَاصِل مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالنُّصُوص الصَّرِيحَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبْدَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ إذَا لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد الْقَاضِي لِمُخَالَفَتِهِمْ مَا سَبَقَ مِنْ النُّقُولِ وَالنُّصُوصِ وَلِعَدَمِ جَوَازِ تَقْلِيدِهِمْ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ كَمَا سَبَقَ عَنْ النَّوَوِيِّ نَقْلُهُ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ.
الْأَمْر السَّادِسُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ حَرُمَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُت لَمْ يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ وَيُجْزِئْهُ اهـ، وَفِي الْحَدِيثِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِط فِي تَكْلِيفِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالصَّوْمِ رُؤْيَةُ نَفْسِهِ بَلْ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَنْ تَثْبُت بِهِ الرُّؤْيَةُ كَذَا قَالَ الْكَبْكَادِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَنْ لَا تَثْبُتُ بِهِ الرُّؤْيَةُ بَلْ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْره إذَا لَمْ يَتَحَدَّث النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ إذَا وَقَعَ فِي الْأَلْسُنِ أَنَّهُ رُئِيَ وَلَمْ يَقُلْ عَدْلٌ أَنَا رَأَيْته أَوْ قَالَ وَلَمْ يَقْبَل الْوَاحِدُ أَوْ قَالَهُ عَدَدٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْفُسَّاقِ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ وَعِبَارَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ إذَا شَهِدَ عَدَدٌ مِنْ الْفُسَّاقِ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
جَوَاب الثَّانِي فَمَا الرَّاجِحُ عِنْدكُمْ مِنْ الْجَوَابَيْنِ أَبْقَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute