للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْمُسْلِمِينَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ رَفَعْتُمْ إلَيَّ مِنْ قَدِيمٍ هَذَا السُّؤَالَ بِعَيْنِهِ وَأَجَبْتُكُمْ عَنْهُ بِجَوَابٍ مَبْسُوطٍ مُسْتَوْفٍ لِرَدِّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي لَفْظَةً بِلَفْظَةٍ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ بَيْن جَوَابَيْهِ تَخَالُفًا فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ فَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ثَانِيًا بَلْ نَكْتَفِي بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَنُشِيرُ لَكُمْ هُنَا إلَى خُلَاصَةِ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَدْلٌ مَوْثُوقٌ بِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ سَوَاء قُلْنَا إنَّ ثُبُوتَ رَمَضَانَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَمْ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الرَّائِي وَمَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ فَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَكْتَفِي بِهِ وَيَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ.

وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فَمَنْ قَالَ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَثْبُت الرُّؤْيَةُ عِنْد الْقَاضِي أَيْ أَوْ الْمُحَكَّمِ فَمُرَادُهُ لَا يَجِبُ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ وَمَنْ قَالَ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ مَوْثُوقٌ بِهِ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى خُصُوصِ الْمُخْبَرِ الَّذِي أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلَا تَنَاقُضَ كَمَا ظَنَّهُ الْمُجِيب الثَّانِي وَمَنْ اغْتَرَّ بِهِ مِنْ قَائِلِي تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرهَا وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ إنْ تَأَمَّلْته يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ جَمِيعِ مَا قَالَهُ وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ مَا قُلْنَاهُ وَيَظْهَرُ لَك أَيْضًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْأَكْثَرِينَ وَمَا فَرَّعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا أَطَالَ بِهِ لَيْسَ كُلُّهُ فِي مَحِلِّهِ لِمَا تَقَرَّرَ لَك أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْن الْكَلَامَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِيهَا وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّأْيَيْنِ لَهُ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ أَدْخَلَ فِي اللَّيْلِ مِنْ رَمَضَانَ قُطْنَةً فِي إحْلِيلِهِ احْتِيَاطًا لِلْبَوْلِ ثُمَّ نَزَعَهَا بَعْد أَنْ أَصْبَحَ فَهَلْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْخَيْطِ أَوْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِنَزْعِهَا قَالَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْخَيْطِ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَمْدًا اسْتِقَاءَةٌ وَيَتَّضِحُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْإِمْسَاكَ عَنْ مِثْلِهِ دَاخِلًا فِي حَقِيقَةِ الصَّوْمِ كَمَا يَقْتَضِيه تَفْسِيرُهُمْ بِأَنَّهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ نَحْوِ الْجِمَاعِ مِنْ إدْخَالِ عَيْنٍ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا الثَّانِي أَنَّ الْفِطْرَ بِالِاسْتِقَاءَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْد الْأَصْحَابِ فِي التَّعْلِيلِ أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ لَعَيْنِهَا كَالْإِنْزَالِ بِالِاسْتِمْنَاءِ وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ بِرُجُوعِ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ، وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ اسْتِنْبَاطِ مَعْنًى يَعُودُ بِالتَّعْمِيمِ وَهُوَ الْإِلْحَاقُ قِيَاسًا إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الِاسْتِقَاءَةِ كَوْنُهَا خُرُوجُ خَارِجٍ مِنْ جَوْفٍ كَمَا زَعَمَهُ مَنْ أَلْحَقَ إخْرَاجَ الْقُطْنَةِ مِنْ الْإِحْلِيلِ بِالِاسْتِقَاءَةِ قِيَاسًا أَمَّا الْمُعَلِّلُونَ بِالْعَيْنِ فَوُقُوفًا مِنْهُمْ مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عَنْهُمْ.

وَأَمَّا الْمُعَلَّلُونَ بِالثَّانِي فَتَعْلِيلُهُمْ نَافٍ لِذَلِكَ صَرِيحًا كَمَا لَا يَخْفَى وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً أَوْ تَلَذَّذَ بِهَا فَأَمْذَى لَمْ يُفْطِر اتِّفَاقًا وَلَمْ يُلْحِقُوهُ بِالِاسْتِمْنَاءِ بِجَامِعِ خُرُوجِ خَارِجٍ مِنْ الذَّكَرِ بِمُبَاشَرَةٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِمْنَاءِ مُفْطِرٌ بِعَيْنِهِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ امْرَأَةٌ ظَنَّتْ إيقَاعَ الْحَيْضِ لَيْلًا فَتَحَمَّلَتْ قُطْنَةً وَنَوَتْ الصَّوْمَ ثُمَّ أَخْرَجَتْهَا بَعْد الْفَجْرِ وَلَمْ تَرَ أَثَرًا فَهَلْ يَضُرُّ هَذَا الْإِخْرَاجُ، وَإِذَا أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا لِبَاطِنِ الْفَرْجِ لِلِاسْتِنْجَاءِ هَلْ يَضُرُّ أَيْضًا؟

أَجَابَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُخَرَّجًا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ ابْتِلَاعَ النُّخَامَةِ مِنْ الْبَاطِن هَلْ يَلْتَحِقُ بِالْقَيْءِ فِي الْإِفْطَارِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَإِدْخَالُ أُصْبُعِهَا إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ مُفْطِرٌ كَمَا فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَوَجْهُ تَرَدُّده وَإِنْ صَحَّحَ مَا يُوَافِق مَا مَرَّ اسْتِلْزَامُ إخْرَاجِ الْقُطْنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ لِإِدْخَالِ أُصْبُعِهَا غَالِبًا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى مَا ذَكَره وَجْهُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَال إنَّ الْمُنَافِيَ يُغْتَفَرُ فِيهِمَا لِأَجْلِ ذَلِكَ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّته عَنْ الْمُمْسِك فِي رَمَضَانَ هَلْ يُكْرَه لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ كَالصَّائِمِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالصَّائِمِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَضَاءِ يَوْمِ ثَلَاثِينَ شَعْبَان إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ يَوْمُ شَكٍّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَحَدَّث

<<  <  ج: ص:  >  >>