للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَفَعَتْ لَهُ مَنَازِلُ الصِّدْقِ فِي سَمَاءِ الْقُرْبِ كَوَاكِبَهَا وَشَيْخُهُ الْمَذْكُور وَاضِحُ الْحُجَّةِ وَالسُّنَنِ وَبَالِغُ الْغَايَةِ الَّتِي لَا تَرْتَقِي فِي هَذَا الزَّمَنِ كَيْفَ وَقَدْ انْكَشَفَتْ لَهُ عُلُومُ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى أَوْضَحَهَا أَبْلَغَ إيضَاحٍ وَأَحْسَن تَبْيِينٍ حِين اطَّلَعَ عَلَى خَفَايَا مَكَامِنِ مَكْنُونَاتِهَا وَشَاهَدَ مَجَارِيَ الْأَفْكَارِ فِي تَصَارِيفِ إيجَادَاتِهَا وَاخْتَرَعَ الْأَحْكَامَ مِنْ مَعَادِنِهَا وَأَظْهَرَ التَّحْقِيقَات الْكَثِيرَة مِنْ مَكَامِنِهَا، قَدْ ضَرَبَ مَعَ الْأَقْدَمِينَ بِسَهْمٍ وَافِرٍ وَالْغَيْرُ يَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بَارِدٍ وَهُوَ مِنْ بَعْدِهِمَا بَلَّغَهُ اللَّهُ شَأْوَهُمَا وَفَهْمًا يَقْصِرُ عَنْ إدْرَاكِ مَدَاهُمْ وَبُعْدِ مَغْزَاهُمْ إنْ أَظْهَرَ الْحَقَّ الَّذِي أُمِرْنَا بِإِظْهَارِهِ، وَإِنْ أَخْذَلَ الْبَاطِلَ الَّذِي أُمِرْنَا بِخِذْلَانِهِ وَسَدِّ وَعِرِ مِضْمَارِهِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: ١١٦] الْآيَة وَتَذْكِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] .

فَمِنْ ثَمَّ نَظَرْتُ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ الْبَدِيعِ الْكَامِلِ الْمَنِيعِ حَتَّى عَلِمْت أَنَّ مُؤَلِّفَهُ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَأَذْهَبَ بِهِ وَعَنْهُ ضَيْرًا أَظْهَر فِي مَخْضِهِ زُبْدَة مِنْ قُوَاهُ وَاحْتَاطَ مِنْ ضَبْطِ مَعَاقِده مُحَكِّمًا فِيهَا إيرَادَ مَا عَنْ نَشْرِهِ طَوَاهُ طَالِبًا نَشْرَ ذَلِكَ الطَّيِّ مُتَحَدِّيًا بِهِ مَنْ سِوَاهُ مُحْتَذِيًا عَوَالِي الْهِمَمِ لِاسْتِفْتَاحِ مَا اسْتَغْلَقَهُ فِي صَرِيحِهِ وَفَحْوَاهُ مَعَ إفَادَةِ لَطَائِفَ تَلُوحُ مِنْ ذُرَى ذَوِي التَّحْقِيقِ وَإِشَادَة أَبْحَاث لَا تَصْدُرُ إلَّا عَنْ خُلَفَاءِ التَّوْفِيقِ وَأَنَّ مَا ذَكَره فِيهِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ لَا يَخْفَى إلَّا عَلَى بَعِيدِ الْحِسِّ عَدِيمِ الْإِبْصَارِ مَعَ مَا مَنَحَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ إيضَاحِ الْحَقِّ بِدَلَائِلِهِ الَّتِي لَا يَقْرَعُ هَضْبَتَهَا قَارِعٌ وَلَا يَقْرَعُ بَابَهَا قَارِعٌ إلَّا مَنْ يَنْحُو نَحْوَهُ فِي الصَّوَابِ وَتَجْرِي رَخَاءُ رِيحِهِ فِيهِ حَيْثُ أَصَابَ جَاءَ بِهَا مُسْتَفْتِحًا إفَادَتهَا حَتَّى كَأَنَّهَا صَدَقَةٌ قَدَّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ خَالِيَةً عَنْ شَوْبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ فَحْوَاهُ فَاسْتَجِلَّهَا أَوَانَ كَشْفِ الْقِنَاعِ عَنْ صَبَاحَةِ وَجْهِهَا، تَجِدْ فِي نَفْسِك إنْ أَنْصَفْتَ مِنْهَا الْخُضُوعَ لِمُلْقِيهَا وَالْفَضْلَ لِزَارِعِ التَّحْقِيقِ فِيهَا فَحَذَارِ مِنْ تَلَقِّي اللَّوَاحِظِ غُرَّةً فَالسِّحْرُ بَيْنَ جُفُونِهِ مَكْنُونٌ. هَذَا وَلَمَّا اسْتَفْتَيْت عَمَّا فِي هَذَا الْمُؤَلَّفِ بَادَرْتُ بِالْجَوَابِ بِمَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ فِكْرِي وَنَظَرِي بِقَوَادِمِهِ وَخَوَافِيه وَظَنَنْت أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إلَّا خَامِدُ الرَّوِيَّةِ مُقْتَصِرٌ عَلَى الظَّوَاهِرِ لَيْسَ لَهُ تَصْرِيحُ نَظَرٍ فِي الْمَنَازِلِ الْخَفِيَّةِ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَأَمْعَنْتُ النَّظَرَ فِيمَا هُنَالِكَ، فَلَمْ يَسْمَح إلَّا بِمَا صَمَّمَ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَنْ الْقَوَاعِد مُحَوَّلًا

ثُمَّ نَظَرْت فِي هَذَا التَّأْلِيفِ فَرَأَيْتُهُ جَاءَ بِالْحَقِّ الصُّرَاحِ وَبِالْجِدِّ الْخَالِي عَنْ الْمِزَاحِ فَشَكَرْت إلَى اللَّهِ صُنْعَ مُنَمِّقِهِ وَصِدْقَ مُحَقِّقه فَلَا عَدِمَ الْمُسْلِمُونَ أَمْثَالَهُ وَلَا زَالَتْ الْفُضَلَاء يَتَفَيَّئُونَ ظِلَالَهُ وَلَوْلَا شُغْلُ الْبَالِ لَأَطَلْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَقَالَ لَكِنْ سَيَمُنُّ اللَّهُ إنْ شَاءَ بِالتَّوْفِيقِ إلَى ذَلِكَ وَإِزَالَةِ وَعْرِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ وَدَفْعِ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهَا مِنْ شُبَهٍ إذَا تُؤُمِّلَتْ كَانَتْ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ وَمِنْ تَطْوِيلَاتٍ لَا تَرُوجُ إلَّا عَلَى غَمْرٍ مَغْمُورٍ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّح بِذَلِكَ غَيْر مَا مَرَّ فِي هَذَا التَّصْنِيفِ وَهُوَ مَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْمُنَجِّمِ يَجْرِي فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ وَقَضِيَّةِ تَنْجِيمِهِ.

وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِذَلِكَ دُون غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا لَفْظُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَيْ الْمُنَجِّمِ أَوْ مَنْ عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ تَقْلِيدُهُ فِي صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَعْمَلَا بِهِ؟ وَجْهَانِ قُلْت الْأَصَحُّ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا يُجْزِئهُمَا أَيْ الصَّوْمُ عَنْ الْغَرَضِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ اهـ، وَإِذَا جَازَ الْفِطْرُ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً شَرْعًا وَلَوْ ذُكِرَ لِلْحَاكِمِ لَمْ يَلْتَفِت إلَيْهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ بَلْ أَوْ عَدْلٍ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً شَرْعًا فِي ذَلِكَ أَوْ نَظِيرِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَابْنُهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُحُولِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ الْفِطْرِ آخِرَ النَّهَارِ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنهُ الْيَقِين مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَلْيَجُزْ هُنَا بِالْأَوْلَى وَتَحَصَّلَ فَرْقٌ بَيْنهمَا لَا يُجْدِي:

وَمِنْ أَهَمِّهَا الْفَرْقُ بِأَنَّهُمْ سَامَحُوا فِي آخِر النَّهَارِ مَا لَمْ يُسَامِحُوا بِهِ آخِرَ رَمَضَانَ بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ ثَمَّ لَا هُنَا وَيُرَدُّ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إنَّمَا جَازَ ثَمَّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ بَلْ عَلَامَاتٌ، وَأَمَّا آخِرُ رَمَضَانَ فَلَا عَلَامَةَ لَهُ فَامْتِنَاعُهُ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>