للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِكَوْنِهِ آخِرَ رَمَضَانَ بَلْ لِفَقْدِ الْعَلَامَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الِاجْتِهَادِ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ فِي الْمُنَجِّمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الْعَمَلَ بِاجْتِهَادِهِ آخِرَ رَمَضَانَ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْمُحَقِّقُ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَكَاشِفُ الْقِنَاعِ عَنْ مُخَبَّآتِهِ بِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْا يَوْمَ ثَلَاثِينَ رَمَضَانَ عِنْد الْفَجْرِ قَنَادِيلَ بَلَدٍ أُخْرَى أَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْفِطْرُ؟

فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ إذَا كَثُرْت الْقَنَادِيلُ الَّتِي تُوقَدُ يَوْمَ الْعِيدِ وَحَصَلَ بِرُؤْيَتِهَا الْعِلْمُ وَجَبَ الْفِطْرُ ثُمَّ إنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ إذَا كَثُرْت كَثْرَةً لَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِوَجْهٍ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يُفْطِرُوا حَتَّى يُرْسِلُوا مَنْ يَأْتِيهِمْ بِخَبَرِ الْبَلَدِ الَّتِي بِهَا الْقَنَادِيلُ وَكَلَامُهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعِلْمِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَتَأَمَّلَهُ.

وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونٍ فَقَالَ وَالْقَنَادِيلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَامَةٌ مُغَلَّبَةٌ عَلَى الظَّنِّ فَيُعْتَمَدُ فِي الْفِطْرِ عَلَيْهَا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِيقَادِهَا يَوْمَ فَجْرِ شَوَّال فَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْم يَوْمَ عِيدٍ فِي حَقِّ مَنْ رَآهَا اهـ، وَأَمَّا إفْتَاءُ شَيْخِنَا خَاتِمَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ صَيِّبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ بِأَنَّهَا لَا تُعْتَمَدُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُفِدْ أَوْ لَمْ تَطَّرِدْ بِهَا الْعَادَةُ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ عِيدٍ وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ إطْلَاقَهُ أَجَلُّ جَمَاعَتِهِ مُحَقِّقُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ مِصْرِهِ شَيْخُنَا شِهَابُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الْأَنْصَارِيُّ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْتَى بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَصْرَحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ جَمِيعِ مَا هُنَالِكَ لَمَّا سُئِلَ عَمَّا لَوْ رَأَوْا عَلَامَةً مُعْتَادَةً لِرَمَضَانَ أَوْ شَوَّال كَرُؤْيَةِ نَارٍ أَوْ سَمَاعِ طَبْلٍ وَحَصَلَ بِهِ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ؟ وَإِذَا أُرْسِلَ مَنْ ثَبَتَتْ عِنْده الرُّؤْيَةُ إلَى بَلَدٍ مُوَافِق مَطْلَعهَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ أَيْضًا؟

فَأَجَابَ بِمَا لَفْظُهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ بِدُخُولِ رَمَضَانَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُعْتَادَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ بِدُخُولِ شَوَّال مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمَذْكُورَة لَزِمَهُ الْفِطْرُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ الْجَازِمِ مِنْهَا، وَإِذَا أُرْسِلَ نُوَّابُ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمَطْلَعِ مَا تَثْبُت بِهِ الرُّؤْيَةُ عِنْد حُكَّامِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ لِرَمَضَانَ وَالْفِطْرُ لِشَوَّالِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُت بِهِ الرُّؤْيَةُ عِنْد أَحَدٍ مِنْهُمْ فَمَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ وَمَنْ لَا فَلَا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ كَلَامُهُ الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا وَمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَل فِي مَسْأَلَتِنَا بِخَبَرِ الْعَدْلِ فَضْلًا عَنْ الْعَدْلَيْنِ إذَا اُعْتُقِدَ صِدْقُهُ.

وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ شَيْخِنَا زَكَرِيَّا مَا قَدَّمْنَاهُ إفْتَاؤُهُ هُوَ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الصَّوْمُ أَوْ الْفِطْرُ عِنْد الْحَاكِمِ لَمْ يَلْزَمهُ الصَّوْمُ وَلَمْ يَجِب الْفِطْرُ لِمَنْ شَكَّ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ لِتَهَوُّرِ الْقَاضِي أَوْ لِمَعْرِفَتِهِ لِمَا يَقْدَحُ فِي الشُّهُودِ فَإِذَا أَدَارُوا الْحُكْمَ هُنَا عَلَى مَا فِي ظَنِّهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ بَلْ جَعَلُوهُ لَغْوًا فَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ لَا يُنْظَرَ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَأَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ وَلَكِنَّ الْهِدَايَةَ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَوْمِ الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُحَرَّمِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَالتِّسْعِ الْأَوَّلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ لَا؟ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ لَا يَتْرُكُونَ صَوْمَهَا وَلَا يُوَاظِبُونَ عَلَى صَوْمٍ مِثْل مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى صَوْمِهَا.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نِعْمَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ صَوْمَ الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُحَرَّمِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بَلْ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ سُنَّةٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فَمِنْ ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَفْضَلَ مَا تَتَطَوَّعُ بِهِ مِنْ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ شَهْرٍ تَطَوَّعَ بِصَوْمِهِ كُلِّهِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ صَوْمَ تِسْعِ ذِي الْحِجَّة أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ عَشْرِ الْمُحَرَّم وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَقَالٌ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِشَهْرٍ أَصُومُهُ بَعْد شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كُنْت صَائِمًا شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ فَصُمْ الْمُحَرَّمَ فَإِنَّهُ شَهْرُ اللَّهِ وَفِيهِ يَوْمٌ تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ وَيَتُوبُ عَلَى آخَرِينَ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>