للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيُّ الْأَشْهُرِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ» وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَفْضَلُهَا بَعْد رَمَضَانَ لِمَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَ بِقَضِيَّتِهِ جَمَاعَةٌ كَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِ فَقَالُوا إنَّ الْمُحَرَّمَ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَاءَ أَنَّ السَّلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلَاثَ عَشَرَاتٍ: عَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ الْأَوَّلِ، وَعَشْرُ الْمُحَرَّمِ الْأَوَّلِ وَرُوِيَ هَذَا حَدِيثًا.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَوْمِ مُنْتَصَفِ شَعْبَان هَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» أَوْ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ وَإِنْ قُلْتُمْ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرهُ الْفُقَهَاءُ؟ وَمَا الْمُرَادُ بِقِيَامِ لَيْلِهَا أَهُوَ صَلَاةُ الْبَرَاءَةِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّغَائِب وَهِيَ ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَة بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَب وَصَلَاةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ بِدْعَتَانِ قَبِيحَتَانِ مَذْمُومَتَانِ وَلَا يُغْتَرُّ بِذِكْرِهِمَا فِي كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا بِبَعْضِ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ فَصَنَّفَ وَرَقَاتٍ فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فَإِنَّهُ غَالِطٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كِتَابًا نَفِيسًا فِي إبْطَالِهِمَا فَأَحْسَنَ فِيهِ وَأَجَادَ اهـ وَأَطَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ فِي ذَمِّهِمَا وَتَقْبِيحِهِمَا، وَإِنْكَارِهِمَا وَاخْتَلَفَتْ فَتَاوَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِيهِمَا، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: هُمَا وَإِنْ كَانَا بِدْعَتَيْنِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُمَا لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ الْأَمْرِ الْوَارِد بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيّ بِأَنَّ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَّا مُطْلَقُ طَلَبِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ بِخُصُوصِهِ فَمَتَى خَصَّ شَيْئًا مِنْهُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دَخَلَ فِي قِسْمِ الْبِدْعَةِ وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ مِنْهُ عُمُومُهُ فَيَفْعَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ لَا لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِالْخُصُوصِ اهـ.

وَحِينَئِذٍ فَالْمَنْعُ مِنْهُمَا جَمَاعَةً أَوْ انْفِرَادًا خِلَافًا لِمَنْ وُهِمَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ إزَالَةً لِمَا وَقَعَ فِي أَذْهَانِ الْعَامَّةِ وَبَعْضِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ تَأَكُّدِ سَنِّهِمَا وَأَنَّهُمَا مَطْلُوبَتَانِ بِخُصُوصِهِمَا مَعَ مَا يُقْتَرَنُ بِذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ الْكَثِيرَةِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ صَلَاةِ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ.

وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِهَا فَهُوَ سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَيَّامِ الْبِيضِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ ضَعِيفٌ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: وَجَاءَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَضَعَّفَهَا الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَ ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهَا وَخَرَّجَهُ فِي صَحِيحِهِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَقَدْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجْت فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَنَنْت أَنَّك أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ» خَرَّجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ لَكِنْ ذَكَر التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَفِي حَدِيثٍ لِابْنِ مَاجَهْ «إنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ إلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» وَفِي حَدِيثٍ عِنْد أَحْمَدَ وَخَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «إنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ إلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إلَّا اثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ أَوْ قَاتِلِ نَفْسٍ» وَبَقِيَتْ أَحَادِيثُ أُخَر كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا وَأَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْلَتهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا فَاعِلُهَا، وَإِنْ جَاءَ أَنَّ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَمَكْحُولٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَلُقْمَانَ وَغَيْرِهِمْ يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا بِالْعِبَادَةِ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ النَّاسُ مَا ابْتَدَعُوهُ فِيهَا وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي ذَلِكَ لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَنَدُوا بِآثَارٍ إسْرَائِيلِيَّةٍ وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ عُلَمَاء الْحِجَازِ كَعَطَاءٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا وَذَلِكَ كُلُّهُ بِدْعَةٌ إذْ لَمْ يَثْبُت فِيهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>