للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا صُورَته إذَا عَمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ فَأَكْمَلْنَا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ فَجَاءَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَحِلٍّ بَعِيدٍ مُخْتَلِفٌ مَطْلَعُهُ مَعَ مَطْلَعِ الْبَلْدَةِ الَّتِي غُمَّ فِيهَا هِلَالُ شَعْبَانَ وَشَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فَأَثْبَت حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ الْهِلَالَ بِشَهَادَتِهِمْ فَهَلْ يُلْزَمُ الشَّافِعِيُّ بِقَضَاءِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ عَلَى ظَنٍّ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ الْوَاقِعَ لَدَى الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ وَيُفْطِرُ يَوْمَ ثَلَاثِينَ رَمَضَان لَوْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ بِمُقْتَضَى الثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا يُلْزَمُ بِقَضَاءِ الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِعَقِيدَتِهِ وَاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِمَحِلٍّ مُخْتَلِفٍ مَطْلَعُهُ مَعَ مَطْلَعِ الْبَلَدِ الَّتِي غُمَّ فِيهَا الْهِلَالُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ يَوْمِ ثَلَاثِينَ رَمَضَانَ لَوْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَمَا الْحُكْم فِيمَا لَوْ ثَبَتَ الْهِلَالُ لَدَى حَاكِمٍ يَرَى ثُبُوتَهُ بِمَا لَمْ يَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَبُولِ عَبِيدٍ وَامْرَأَةٍ فَهَلْ يَلْزَم الشَّافِعِيَّ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ لَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ عَقِيدَتِهِ أَوْ لَا يَلْزَمهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ بِمَا فِيهِ بَسْطٌ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ فِي ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فَيُدَارُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ أَئِمَّتنَا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَحْكُم بِشَهَادَتِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ وَإِلَّا وَجَبَ الصَّوْمُ وَلَمْ يُنْقَض الْحُكْمُ إجْمَاعًا اهـ فَإِيجَاب الصَّوْمِ هُنَا عَلَى الْعُمُومِ، وَعَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَذَلِكَ حَتَّى يَجِب عَلَى الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ صَوْمًا وَفِطْرًا وَقَضَاءً.

وَمِنْهَا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ وَالسُّبْكِيِّ لَا يَكْفِي قَوْلُ الشَّاهِدِ: أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ الْحِسَابَ أَوْ كَانَ حَنْبَلِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ قَالَ فِي الْخَادِمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ دُخُولَهُ بِسَبَبٍ لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ حِسَابِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ أَوْ يَكُونَ حَنْبَلِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْم أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ اهـ فَأَفْهَمْ قَوْلُهُمْ لَا يُوَافِقهُ عَلَيْهِ الْمَشْهُودُ عِنْده أَنَّهُ لَوْ وَافَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَضِيَّةَ مَذْهَبِهِ اعْتَدَّ بِالشَّهَادَةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْحِسَابِ أَوْ الْغَيْمِ وَبِالْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا وَحِينَئِذٍ يُسْتَفَاد مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا فَمَتَى أَثْبَتَ الْهِلَالَ حَاكِمٌ يَرَاهُ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ بِأَنْ لَمْ يُخَالِف نَصَّا صَرِيحًا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ اُعْتُدَّ بِحُكْمِهِ وَوَجَبَ عَلَى كَافَّةِ مَنْ فِي حُكْمِهِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ حُكْمِهِ وَمِنْهَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّ رَمَضَانَ يَثْبُت أَيْضًا أَيْ عَلَى الْكَافَّةِ بِعِلْمِ الْقَاضِي.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ مَنَعَهُ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُ مُقَلِّدِيهِ الْعَمَل بِحُكْمِ الْقَاضِي بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ صَرِيحُ كَلَامهمْ هُنَا وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ السَّابِقِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ تَبْقَى بَعْد حُكْمِ الْحَاكِمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ جَهِلَ حَالَ الشَّاهِد أَمَّا الْعَالِمُ بِفِسْقِهِ وَكَذِبِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الصَّوْمُ إذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ. اهـ فَأَفْهَمْ أَنَّا حَيْثُ لَمْ نَعْلَم اسْتِنَادَ الْحَاكِمِ إلَى بَاطِلٍ فِي اعْتِقَادِهِ لَزِمَنَا الْجَرْي عَلَى مُقْتَضَى حُكْمِهِ، وَإِنْ بَقِيَتْ عِنْدنَا رِيبَةٌ فِيهِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِالِاسْتِنَادِ إلَى الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمْنَاهُ اسْتَنَدَ فِيهِ إلَى بَاطِلٍ عِنْده فَإِنَّهُ لَغْوٌ مِنْهُ فَلَا ظَنَّ فَلَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» ، وَقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» وَفِي رِوَايَةٍ «بَلْ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» فَقَدْ صَرَّحَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِصِيَامِهِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ فَمَا مَعْنَاهَا وَكَيْف الْجَمْعُ بَيْنهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» وَمِنْ ثَمَّ أَخَذَ مِنْهُ أَئِمَّتُنَا تَحْرِيمَ صَوْمِ مَا بَعْدَ نِصْفِهِ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُعْلَمُ جَوَابُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْته فِي كِتَابِي إتْحَافُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>