صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيّ تَعْلِيلَ حُرْمَةِ صَوْمِ مَا بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَان بِالضَّعْفِ بِأَنَّهُ يَلْزَمهُ تَحْرِيمَ صَوْمِ شَعْبَانَ كُلَّهُ لِأَنَّ الضَّعْفَ يَكُونُ بِهِ أَكْثَرُ، وَأَجَبْتُ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ صِيَامَ الشَّهْرِ جَمِيعِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ يُوَرِّثُ قُوَّةً عَلَى رَمَضَانَ لِأَنَّ الصَّوْمَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مَأْلُوفًا لِلنَّفْسِ وَخَلْقًا لَهَا فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهَا تَعَاطِيهِ وَهَذَا مِنْ بَعْضِ حِكَمِ صَوْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْبَانَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ هَلْ يَثْبُتُ بِمَسْتُورِ الْعَدَالَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ أَنَّهُ يَكْفِي الْمَسْتُور وَهُوَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي النِّكَاحِ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُفَسِّقٌ مَعَ صَلَاحِ ظَاهِرِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فِي الصَّوْمِ الرَّاتِبِ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ وَوَقَعَ الْخَطَأُ فِي التَّعْيِينِ كَأَنْ صَامَ تَاسُوعَاء بِالتَّعْيِينِ فَبَانَ بِثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَاشُورَاء أَوْ صَامَ ثَامِن ذِي الْحِجَّةِ فَبَانَ أَنَّهُ التَّاسِعُ فَهَلْ يَقُومُ مَا صَامَهُ بِالتَّعْيِينِ عَنْ عَاشُورَاءَ أَوْ عَنْ تَاسِعِ الْحِجَّةِ وَهَلْ الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ التَّعْيِين فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَقَضِيَّة قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَكْفِي فِي نَفْلِ الصَّوْمِ مُطْلَقُ نِيَّتِهِ أَنَّ النَّفَلَ الَّذِي لَهُ سَبَبٌ كَصَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَقَّت كَصَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَعَرَفَة لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ أَيْ تَعْيِين نِيَّتِهِ فِي الصَّوْمِ لَكِنْ بَحَثَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الثَّانِي أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ تَعْيِينه كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَأَكَّدِ صَوْمُهَا مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ صَامَ فِيهِ قَضَاءً أَوْ نَحْوَهُ حَصَلَا نَوَاهُ مَعَهُ أَمْ لَا، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ اتَّفَقَ فِي يَوْمٍ رَاتِبَانِ كَعَرَفَة يَوْمَ الْخَمِيسِ.
وَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا فَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ صَوْمٌ أَصْلًا وَإِلَّا انْبَنَى انْعِقَادُهُ نَفْلًا عَلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا مِنْ الْجَاهِلِ فَقَطْ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي رَاتِبِ الصَّوْمِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ مُطْلَقِ الصَّوْمِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْدُوبِ صَوْمُهَا وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا وَإِحْيَاؤُهَا بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْفَاضِلَةِ فَهُوَ نَظِيرُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِد،؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا تَعْظِيمُ الْمَسْجِدِ بِإِشْغَالِهِ بِالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْكَمَالِ وَوُقُوعِ الصَّوْمِ الْمَخْصُوصِ كَمَا أَنَّ التَّعْيِينَ فِي التَّحِيَّةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِكَمَالِهَا لَا لِصِحَّتِهَا فَحِينَئِذٍ مَنْ نَوَى فِي نَحْوِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ أَوْ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاء أَوْ الِاثْنَيْنِ حَصَلَ لَهُ كَمَالُ الصَّوْمِ وَالْفَضِيلَةِ وَكَذَا إنْ نَوَى ذَلِكَ وَالْقَضَاءُ مَثَلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ غَيْرِهَا كَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَا نَوَاهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَبُ بِالنِّسْبَةِ لِخُصُوصِ الصَّوْمِ الْمَطْلُوبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ نَظِيرَ مَا قَرَّرْتُهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
وَعَلَى أَحَدِ شِقَّيْ هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَيْثُ عَيَّنَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ النَّفْلِ شَيْئًا وَأَخْطَأَ فِيهِ سَوَاءً شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فَإِنْ عُذِرَ فِي خَطَئِهِ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي السُّؤَالِ صَحَّ الصَّوْمُ وَوَقَعَ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِ وُقُوعِ مَا نَوَاهُ مِنْ تَاسُوعَاء يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَمِنْ ثَامِنِ الْحِجَّة فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْهَا وَكَانَ قَضِيَّةُ ذَلِكَ بُطْلَانَ النِّيَّةِ مِنْ أَصْلِهَا لَكِنْ لَمَّا عُذِرَ فِي غَلَطِهِ اقْتَضَى عُذْرُهُ بُطْلَانَ خُصُوصِ صَوْمِهِ الْمُعَيَّنِ، لَا عُمُومَ صَوْمِهِ نَظِيرَ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ أَوْ سُنَّتِهِ مَثَلًا قَبْلَ الْوَقْتِ ظَانًّا دُخُولِهِ وَهُوَ لَمْ يَدْخُل فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَبْطُلُ خُصُوصُ الْمُعَيَّنِ وَتَقَعُ الصَّلَاةُ لَهُ نَافِلَةً مُطْلَقَةً حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى تَاسُوعَاء يَوْمَ عَاشُورَاء مَثَلًا مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا لِتَلَاعُبِهِ كَنِيَّةِ الظُّهْرِ أَوْ سُنَّتِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَالِمًا بِذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ نَوَى فِي اللَّيْلِ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَبَعْد الْفَجْرِ التَّطَوُّعَ فَهَلْ يَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّطَوُّعُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ ظَنَّ حَالَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ عَلَيْهِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لَهُ بِفَرْضِ كَوْنِهِ عَلَيْهِ وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute