للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا عِنْد مُجَاوَزَةِ هَذَا الظَّاهِرِ فَلَا ضَابِطَ هُنَا غَيْرُهُ، وَأَمَّا الْأُذُنُ فَمَا قَبْلَ الْمُنْطَبِقِ ظَاهِرٌ حِسًّا وَقِيَاسًا كَمَا قَبْلَ الْمَسْرُبَةِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا فِي أَنَّ مَا جَاوَزَ أَوَّلَ الْمُنْطَبِقِ إلَى الْمُجَوَّفِ جَوْفٌ وَمَا لَا فَلَا فَتَأَمَّلْهُ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ حَدِيث «إنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ» وَحَدِيثِ «مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ كُتِبَ لَهُ عِبَادَةُ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ» وَحَدِيثِ «مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ كَانَ كَصِيَامِ شَهْرٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ السَّبْعَةُ وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتٍ» هَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً بَلْ ضَعِيفَةٌ فَتَجُوز رِوَايَتُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا فِي الْفَضَائِلِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ سِوَى مَنْصُورٍ الْأَسَدِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمْ أَرَ فِيهِ تَعْدِيلًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ وَضَعَّفَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي الثَّانِي لَهُ طُرُقٌ بِلَفْظِ عِبَادَةُ سِتِّينَ سَنَةٍ وَهُوَ أَشْبَهُ وَمَخْرَجه أَحْسَنُ وَإِسْنَادُهُ أَشَدُّ مِنْ الضَّعِيفِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَسَنِ وَالثَّالِثُ لَهُ طُرُقٌ وَشَوَاهِدُ ضَعِيفَةٌ يُرْتَقَى بِهَا عَنْ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ عَيَّدَ فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ وَصَلَ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى قَرِيبَةٍ وَأَخْبَرَ أَهْلَهَا بِذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَوْ يُوَقَّف إلَى إخْبَارِ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ التَّوَاتُرُ أَوْ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلَوْ صَامَ فِي قَرْيَةٍ فَوَصَلَ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ لَا حَتَّى تَحْصُلَ الشَّهَادَةُ؟ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي عَيَّدَ أَوْ صَامَ فِيهِ مِنْ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، وَإِذَا أَرْسَلَ قَاضِي بَلَدٍ رُقْعَةً إلَى قَاضِي بَلَدٍ بِثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عِنْدَهُ فَهَلْ يَجُوزُ الصَّوْمُ اعْتِمَادًا عَلَى الرُّقْعَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ مَعَهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ وَقَعَ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ فِي زَبِيدٍ - حَرَسهَا اللَّهُ تَعَالَى - الْإِفْطَارُ مِنْ رَمَضَانَ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ فَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُهَا هَلْ هُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ أَوْ هُوَ حَرَامٌ وَطَالَ اخْتِلَافُهُمْ وَكَثُرَتْ فَتَاوِيهِمْ وَتَصَانِيفُهُمْ فِيهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا حَتَّى أَرْسَلُوا يَسْتَفْتُونَ مِنَّا عَنْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَكَانَ مُجَاوِرًا إذْ ذَاكَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْمَعَارِفِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ فَاخْتَلَفَ جَوَابِي وَجَوَابُهُ وَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ لَازَالَ الْمَشَايِخُ وَتَلَامِذَتُهُمْ يَخْتَلِفُونَ وَلَا عَتَبَ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى مَا وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ مَعَ تَلَامِذَتِهِ وَالْبُلْقِينِيِّ مَعَ تَلَامِذَتِهِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ بَسَطْتُ حَاصِلَ مَا أَجَبْتُ بِهِ فِي شَرْحِي الْكَبِيرِ عَلَى الْإِرْشَادِ وَحَاصِلُ عِبَارَتِهِ وَبَحْثِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْعَلَامَةِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ كَرُؤْيَةِ أَهْلِ الْقُرَى الْقَرِيبَةِ مِنْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ الْقَنَادِيلَ الْمُعَلَّقَةَ لَيْلَةَ أَوَّلِ رَمَضَانَ بِالْمَنَائِرِ كَمَا هُوَ الْعَادَة وَاعْتَمَدَهُ مَنْ بَعْدَهُ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ قَنَادِيلِ الْمَقْبَرَةِ فَجْرَ يَوْمِ الْعِيدِ ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّارِحَ أَيْ الشَّمْسَ الْجَوْجَرِيَّ وَابْنَ قَاضِي عَجْلُونٍ أَفْتَيَا بِذَلِكَ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا إذَا كَثُرَتْ الْقَنَادِيلُ كَثْرَةً لَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِوَجْهٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَشَيْخُنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ بِذَلِكَ. قَالَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ وَشَغْلَ الذِّمَّةِ بِالصَّوْمِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ شَرْعًا اهـ وَيَتَعَيَّن حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُل لِلرَّائِي بِذَلِكَ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْفِطْرِ وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الشَّيْخُ بَعْضَ أَكَابِرَ أَصْحَابِهِ فَأَفْتَى بِأَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ بِدُخُولِ رَمَضَانَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُعْتَادَةِ لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ بِدُخُولِ شَوَّال مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَزِمَهُ الْفِطْرُ عَمَلًا بِالِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ فِيهِمَا اهـ.

وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ إخْبَارَ الْعَدْلِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِدُخُولِ شَوَّال يُوجِبُ الْفِطْرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ فِي الْفِطْرِ آخِرَ النَّهَارِ عَلَى إخْبَارِ الْعَدْلِ ضَعِيفٌ وَلَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ آخِرَ النَّهَارِ يَجُوزُ الْفِطْرُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ آخِرَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُمْكِنُ فِي الْأَوَّلِ دُون الثَّانِي إذْ مِنْ شَرْطِهِ الْعَلَامَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي ذَاكَ لَا هَذَا وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الْفِطْرِ أَوْ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد الْحَاكِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>