بِهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبْدَانِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَأَقَرَّهُمْ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَوَاتَرَتْ عِنْده رُؤْيَةُ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالَ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ فَسَقَةٍ أَوْ كُفَّارٍ لَزِمَهُ الصَّوْمَ فِي الْأُولَى قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْيَقِينَ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْفِطْرِ فِي الثَّانِيَةِ وَخَرَجَ بِالثِّقَةِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ غَيْرُ الثِّقَةِ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ فَلَا يَلْزَمهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ قَرِيبًا بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِ جَمْع لَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ يَعْتَقِدُ صِدْقَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّزُومِ عِنْد اعْتِقَادِ الصِّدْقِ بَيْنَ الثِّقَةِ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ دُونَ الْوُجُوبِ وَسَيَأْتِي صِحَّةُ الِاعْتِمَادِ فِي النِّيَّةِ عَلَى قَوْلِ فَاسِقٍ سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ.
وَاسْتُفِيدَ مِنْهَا أَنَّهُ حَيْثُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِاعْتِقَادِهِ الصِّدْقَ وَكَوْنِ الْمُخْبِرِ ثِقَةً وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَحَيْثُ جَازَ لَهُ لِاعْتِقَادِهِ الصِّدْقَ وَكَوْنِ الْمُخْبِرِ غَيْرَ ثِقَةٍ يَأْتِي فِي الْإِجْزَاء مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ يَقُولُ بِاللُّزُومِ فِي هَذِهِ أَيْضًا يَقُولُ بِالْإِجْزَاءِ، ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ هُنَا يُنَافِيه كَلَامُهُمْ فِي مَبْحَثِ النِّيَّةِ وَمَبْحَثِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَجَمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِوُجُوهٍ سَبْعَةٍ ذَكَرْتُهَا مَعَ بَيَانِ مَا فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ نَقْدٍ وَرَدَ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَتَرَكْت سَوْقَهَا هُنَا لِطُولِهَا، وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي السُّؤَالِ مِنْهَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُنَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ أَيْ مَعَ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَظُنَّ صِدْقُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّن كَوْنَهُ مِنْهُ. نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ لَيْلًا صِدْقَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَر يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ صِحَّةُ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ، وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ قِيلَ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ أَيْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ وَحَاصِلُهُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ عَلَى مَنْ ذَكَر عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّن شَيْءٌ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَنْ ذَكَر أَيْ مِنْ نَحْوِ الصِّبْيَانِ فِي الصَّوْمِ بَلْ فِي النِّيَّةِ فَقَطْ فَإِذَا نَوَى اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ بَانَ كَوْنُ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَحْتَجْ لَيْلًا إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ أُخْرَى وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الشَّهْرُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِيمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي النِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَعْتَمِدُ فِي تَصْحِيحِ النِّيَّةِ عَلَى إخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْحَال عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا بِأَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَصَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدَّدَ نِيَّةً؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا اسْتَنَدَتْ إلَى إخْبَارِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ صَحَّتْ وَوَقَعَتْ مَوْقِعَهَا وَنَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ. الْغَرَضُ مِمَّا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ حَدِّ بَاطِنِ الْأُذُنِ الَّذِي يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِوُصُولِ الْعَيْن إلَيْهِ أَهُوَ مَا لَا يُرَى وَمَا يُرَى فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا حَدَّدَهُ بِشَيْءٍ لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي نَظِيرِهِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حَدُّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ أُصْبُعِهِ فِي مَسْرَبَتِهِ أَفْطَرَ قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَكَانِ الْمُجَوَّفِ، وَأَمَّا أَوَّلُ الْمَسْرَبَةِ الْمُنْطَبِقُ فَلَا يُسَمَّى جَوْفًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْطِرَ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ اهـ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْخَادِمِ وَجَرَيْتُ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَقُلْت عَقِبَ قَوْلِهِ وَبَاطِنُ أُذُنِهِ وَيَنْبَغِي حَدُّهُ بِمَا يَأْتِي فِي الْمُسَرِّبَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمُجَوَّفِ دُون أَوَّلِ الْمُنْطَبِقِ اهـ.
وَيُقَاسُ بِذَلِكَ بَاطِنُ الذَّكَرِ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ بَاطِنِ الْحَشَفَةِ وَالْحَلَمَةِ وَعِبَارَةُ الْكِفَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ: يُفْطِرُ بِإِدْخَالِ مَيْلٍ إلَى بَاطِنِ حَشَفَتِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ يَنْبَغِي ضَبْطُ بَاطِنِ الْأُذُنِ بِمَا ضَبَطُوا بِهِ بَاطِنَ الْفَرْجِ وَهُوَ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَحَيْثُ جَاوَزَ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمُنْطَبِقِ أَفْطَرَ. نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي بَاطِنِ الْفَرْجِ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ السَّائِلُ فِي الضَّبْطِ بِالرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهِ.
قُلْت فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ مَا يُجَاوِزُ الْمُنْطَبِقَ مِنْ الشَّفْرَيْنِ بَاطِنٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ يَظْهَرُ عِنْد الْجُلُوسِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ أَلْحَقُوهُ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالْفِطْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute