للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِبَارَةُ الْمُفْتِي الْمَذْكُورَةِ إفَادَةً مُسَايِرَةً لِجَوَابِهِ عَنْ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو عَنْهُ مِنْ الْجَوَابِ لَفْظَةٌ.

(فَأَجَابَ) أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ مَدَدِهِ بِقَوْلِهِ لَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ بِالشَّدِّ الْمَذْكُورِ لِأُمُورٍ مِنْهَا قَوْلُهُمْ كُلُّ مَحْظُورٍ فِي الْإِحْرَامِ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ فِيهِ الْفِدْيَةِ إلَّا نَحْوَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةُ الرِّجْلِ مِنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَخُفِّفَ فِيهَا اهـ وَمِنْهَا قَوْلِي فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً لِضَرُورَةٍ وَاحْتَاجَ لِكَشْفِ كُلِّ رَأْسِهِ لِلْغُسْلِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ لِبَعْضِهِ لِنَحْوِ مَسْحِهِ فِي الْوُضُوءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ فَقَدَ الْإِزَارَ جَازَ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْجَائِزِ نَفْيُ الضَّمَانِ.

وَأَيْضًا فَإِيجَابُ الْكَشْفِ عَلَيْهِ يُصَيِّرُهُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ شَرْعًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ هُنَا حِسًّا عَلَى الْكَشْفِ لَا يَتَعَدَّدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ شَرْعًا فَإِنْ قُلْت قَدْ جَوَّزُوا لَهُ اللُّبْسَ لِنَحْوِ حَرٍّ وَمَرَضٍ مَعَ الدَّمِ قُلْت ذَاكَ فِيهِ تَرَفُّهٌ وَحَظٌّ لِلنَّفْسِ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ صِحَّةُ عِبَادَتِهِ فَهُوَ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالسَّرَاوِيلِ أَشْبَهُ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ يَأْتِي فِي صُورَةِ شَدِّ السَّلَسِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ جِرَاحَةٌ فَشَدَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ فَلَا فَدِيَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الرَّأْسِ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ اهـ.

قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْمُرَادُ بِالشَّدِّ هُنَا هُوَ مُجَرَّدُ اللَّفِّ لَا الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الشَّدِّ الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ شَدِّ الْهِمْيَانِ وَالْخَيْطِ عَلَى الْإِزَارِ اهـ وَفِي حَاشِيَتِي لِلْإِيضَاحِ عَقِبَ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلْعَقْدِ لِلِاسْتِمْسَاكِ عَلَى الْجِرَاحَةِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْعَقْدِ أَيْضًا لَكِنْ مَعَ الْفِدْيَةِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ عَقْدُ الْخِرْقَةِ نَفْسِهَا أَمَّا لَوْ شَدَّ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ الرَّأْسِ خَيْطًا وَرَبَطَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَقْدًا فَلَا يَحْرُمُ وَلَا فَدِيَةَ فِيهِ اهـ وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّدِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ عَقْدُ الْخِرْقَةِ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ النَّجَاسَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ خَيْطًا يَشُدُّهُ عَلَيْهَا أَمَّا لَوْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ دَفْعَ النَّجَاسَةِ مُمْكِنٌ بِشَدِّ الْخَيْطِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْدِ أَنَّ الْعَقْدَ يُصَيِّرُ الْمَعْقُودَ مُسْتَمْسِكًا بِنَفْسِهِ فَوَجَدَ فِيهِ حَقِيقَةَ الْإِحَاطَةِ الْمُمْتَنِعَةَ وَلَا كَذَلِكَ الْمَشْدُودُ عَلَيْهِ خَيْطٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَمْسِكٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يُسَمَّى مَخِيطًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَقُّ إزَارِهِ وَلَفُّ كُلِّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ إنْ عَقَدَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَشَدِّهِ الْمُرَادُ بِهِ عَقْدُهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّدِّ وَالْعَقْدِ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلُوا الْحُرْمَةَ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ يُشْبِهُ الْمَخِيطَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَمْسِكٌ بِنَفْسِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ بِالشَّدِّ مُطْلَقًا وَلَا بِالْعَقْدِ الْمُتَعَيَّنِ لِدَفْعِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ الشَّدُّ بِنَحْوِ خَيْطٍ أَوْ لَفِّ الْخِرْقَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ لَمْ يَجُزْ بِهِ الْعَقْدُ وَلَزِمَتْهُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَفِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ السَّائِلُ مِمَّا لَا مَرْجِعَ لِمَا قُلْنَاهُ مُنَاقَشَاتٌ يَضِيقُ عَنْهَا الْقِرْطَاسُ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَعْدَ تَأَمُّلِ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ لَهُ وَلَدٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ رَشِيدٌ فَأَرَادَ الْوَلَدُ التَّرَدُّدَ إلَى الْفُقَهَاءِ لِقِرَاءَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِعَارَةِ الْكُتُبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ طَالِبُ الْعِلْمِ وَكَذَا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ أَوْ زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْبِ فَمَنَعَهُ الْوَالِدُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالْقُعُودِ فِي الْبَيْتِ وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ صُحْبَةِ الْأَشْرَارِ وَالْوَلَدُ لَا يَرْتَابُ فِي حَالِهِ أَنَّهُ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَحْتَرِزُ مِنْهُ فَهَلْ لِلْوَلَدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْوَلَدُ السَّفَرِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ لِمَا لَا يَخْفَى أَنَّ مُعَاشَرَةَ الْأَهْلِ وَنَحْوِهِمْ تُخِلُّ بِهِ وَالْوَالِدُ تَشُقُّ عَلَيْهِ الْمُفَارِقَةُ فَهَلْ لِلْوَلَدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْوَلَدُ التَّقَشُّفَ وَالزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا فَكَرِهَ الْوَالِدُ ذَلِكَ فَهَلْ لِلْوَلَدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا أَمَرَهُ وَالِدُهُ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَالِدِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلَدَ امْتِثَالُهُ وَإِذَا أَمَرَهُ بِمَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَكَانَتْ عَقِيدَةُ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ لِعَقِيدَةِ وَالِدِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ امْتِثَالُهُ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْوَالِدِ أَمْ يَحْرُمُ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ نَفْسِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ يَجِبُ فَهَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>