صَرِيحُهُ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ شَرَطُوا فِيمَا إذَا مَاتَ الْعَامِلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَنْ يُتَمِّمَ الْوَارِثُ قَالُوا وَإِذَا تَمَّمَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا قِسْطَ مَا عَمِلَهُ مُورِثُهُ دُونَ مَا عَمِلَهُ هُوَ لِانْفِسَاخِ الْجَعَالَةِ بِمَوْتِ الْعَامِلِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى عَمَلِ الْغَيْرِ فِي النُّسُكِ مُتَعَذِّرٌ فَتَتْمِيمُ الْوَارِثِ مُتَعَذِّرٌ وَيَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِهِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِقِسْطِ مَا عَمِلَهُ مُوَرِّثُهُ إذْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْجَعَالَةِ لِكَوْنِهَا عَقْدًا جَائِزًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ لَا بِبَعْضِهِ إلَّا إنَّ وَقَعَ مُسَلِّمًا لِلْمَالِكِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَرْته اتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَعَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ.
وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ فَإِنْ رَدَّهُ وَارِثُهُ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْجُعْلِ الْمُعَيَّنِ بِقَدْرِ عَمَلِ مُوَرِّثِهِ دُونَ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِعَمَلِ مُوَرِّثِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ نَعَمْ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَثْنَاءَ التَّعْلِيمِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ وَكَذَا إذَا تَلِفَ الثَّوْبُ الَّذِي خَاطَ بَعْضَهُ أَوْ الْجِدَارُ الَّذِي بَنَى بَعْضَهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لِلْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَ الصَّبِيَّ أَبُوهُ مِنْ التَّعْلِيمِ أَيْ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ مُسَلِّمًا بِقَبْضِ الْمَالِكِ لِلثَّوْبِ وَالْجِدَارِ وَبِتَعْلِيمِ الْحُرِّ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرٍ مِنْ الْعَامِلِ وَبِهَذَا ظَهَرَ إيضَاحُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ بَعْضَ النُّسُكِ لَمْ يَقَعْ مُسَلَّمًا لِمَنْ وَقَعَتْ الْجَعَالَةُ لَهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْهُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَجُلٍ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَبِهِ سَلَسُ بَوْلٍ لَا يَسْتَمْسِكُ إلَّا بِالشَّدِّ فَشَدَّ ذَكَرَهُ حِرْصًا عَلَى طَهَارَتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْطًا لِطَوَافِهِ وَصَلَاتِهِ وَصَوْنًا لِبَدَنِهِ وَإِزَارِهِ عَنْ نَجَاسَتِهِ سِيَّمَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِبَادَتِهِ فَهَلْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَأُفِيدُونَا الْجَوَابِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ شَافِعِيٌّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي إفْتَائِهِ بِنَفْيِ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّ انْتِفَاءَهَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ انْتِفَائِهَا فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ مِنْ ذَلِكَ مَا جَوَّزَهُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ لُبْسِ الْخُفِّ بِشَرْطِهِ قَاصِدِينَ بِذَلِكَ حَسْمَ الْأَذَى عَنْ الْقَدَمِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الشَّرِيفَةُ.
وَالْعِبَادَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى إذْ لِأَجْلِهَا خُلِقَ الْمُكَلَّفُ وَمِنْهُ لُبْسُ السِّرْوَالِ بِشَرْطِهِ وَالْقَصْدُ بِهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بَلْ فِيهِ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَبِأَنَّ السِّرْوَالَ قُصِدَ بِهِ الْحِفْظُ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ دُونَ فَاقِدِ السُّتْرَةِ وَكَمَا وَجَبَ السَّتْرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ حُرِّمَ التَّضَمُّخُ بِالنَّجَاسَةِ خَارِجَهَا وَإِنْ قَلَّ وُقُوعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سَاتِرَ ذَكَرِهِ وَجَبَ وَلَا فَدِيَةَ إذْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا فِي سَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَفِيمَا ذُكِرَ أَوْلَى أَخْذًا مِنْ مَزِيدِ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ عَلَى وَسَطِهِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَيَسُّرُ أَمْرِ السَّفَرِ سَيْرًا وَحَلًّا وَارْتِحَالًا وَمَصْلَحَةُ الدِّينِ أَعْلَى وَقَدْ أَعْطَوْا بَعْضَ الْعِوَضِ حُكْمَ كُلِّهِ كَمَا فِي سَتْرِ بَعْضِ الرَّأْسِ بِنَحْوِ عِصَابَةٍ وَكَمَا فِي حَلْقِ بَعْضِ شَعْرِ الرَّأْسِ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ الْفِدْيَةُ فِي الْبَعْضِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْإِحْرَامِ وَفِي مَعْنَى السَّتْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ الْمَذْكُورَ إتْلَافٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِتَعَيُّنِ الْوَسَطِ لِلْهِمْيَانِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرُوهُ بِمَا يَحْتَمِلُ الْمِثَالَ وَالْمِثَالُ لَا يُخَصَّصُ فَيَصْدُقُ بِرَبْطِهِ عَلَى الذَّكَرِ وَالِاحْتِيَاجُ بِمَفْهُومِ الْمَجْرُورِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْهُمْ بِانْتِفَاءِ الْفِدْيَةِ فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مَعَ احْتِيَاطِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَا لَمْ يَحْتَطْ الشَّافِعِيَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمِنْهُ تَجْوِيزُهُمْ إزَالَةَ مَا ضَرَّ مِنْ الشَّعْرِ دَاخِلَ الْجَفْنِ مَعَ أَنَّهُ إتْلَافٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِمَّا لَا يَخْفَى وَإِذَا تَحَمَّلَ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ نَحْوِ كَيْسِ اللِّحْيَةِ وَلَفِّ شَيْءٌ عَلَى السَّاقِ وَالْيَدِ وَرَبْطِهِ مِنْ كُلِّ مَا أَحَاطَ بِالْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ السَّتْرِ عُرْفًا عَلَى الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ عَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ حِينَ سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ.
وَأَمْثِلَتُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - دُونَ الْبَاطِنَةِ كَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ بَلْ لِإِزَالَةِ مَا كَانَ دَاخِلَ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الشُّعُوثَةَ وَالْغَبَرَةَ الْمَقْصُودُ بِهِمَا تَرْكُ التَّرَفُّهِ الْمُسْتَفَادِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ» إنَّمَا يُلَاقِيَانِ الظَّاهِرَ فَكَانَ التَّرَفُّهُ مِنْ حَيْثُ اللِّبَاسُ خَاصًّا بِهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنْ لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِذَلِكَ فَحَسْبُنَا جَهْلُ السَّائِلِ بِحُكْمِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ بِدَلِيلِ اسْتِفْتَائِهِ هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute