جَوَّزَ أَنْ يَسْتَبْهِمَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ فَلَهُ السُّؤَالُ وَإِذَا سَأَلَ فَعَلَيْهِمْ التَّفْصِيلُ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ حَالِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ عَارِفُونَ لِحَدِّ الْإِكْرَاهِ وَلَا يَشْهَدُونَ بِهِ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ فَلَهُ أَنْ لَا يُكَلِّفهُمْ التَّفْصِيلَ اهـ جَوَابُهُ.
وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي التَّوَسُّطِ (فَرْعٌ) قَالَ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ أَوْ تَقْصِيرِهِ فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي قُلْتُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ مَا يَكُونُ تَقْصِيرًا وَمَا لَا يَكُونُ تَقْصِيرًا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْتَقِدُ جَهْلًا مَا يَكُونُ تَقْصِيرًا لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ فَهَلْ نَقُولُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسْتَفْسِرُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى سُؤَالِ الْبَائِعِ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَفْسِرَهُ اهـ الْمَقْصُودُ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ مَا نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ يَجْرِي عَلَى مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ نَعْلَمُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْ الْمُحَكِّمُ الشُّهُودَ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ حَيْثُ كَانَ الْحَالُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بِأَنْ يَذْكُرَ الشُّهُودُ صُورَةَ الْوَاقِعِ حَتَّى يَنْظُرَ الْحَاكِمُ أَوْ الْمُحَكِّمُ فِيهَا هَلْ هِيَ إكْرَاهٌ أَوْ لَا لِأَنَّ شُرُوطَ الْإِكْرَاهِ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ حَتَّى بَيْنَ أَئِمَّةِ مَذْهَبِنَا وَالْعَامَّةُ يَعْتَقِدُونَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً إكْرَاهًا وَغَيْرَ إكْرَاهٍ وَالْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُفَصِّلَ فِي شَهَادَتِهِ بِالْإِكْرَاهِ فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَأَطْلَقَ فَتَارَةً يَثِقُ الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِجَمِيعِ شُرُوطِ الْإِكْرَاهِ وَإِتْقَانِهِ لَهَا فَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى اسْتِفْصَالِهِ وَإِذَا اسْتَفْصَلَهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ اسْتِفْصَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاكِمُ وَالْمُحَكِّمُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَضَى مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ صَحِيحٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ إمَامِهِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَأَقَرَّاهُ حَيْثُ قَالَا الْفَرْعُ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ يُبَيِّنُ جِهَةَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ قَالَا قَالَ الْإِمَامُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ الْجَهْلُ بِطُرُقِ التَّحَمُّلِ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَوَثِقَ بِهِ الْقَاضِي جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ هَذَا الْمَالُ وَهَلْ أَخْبَرَك بِهِ الْأَصْلُ اهـ نَعَمْ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فَلَهُ السُّؤَالُ مُوهِمٌ وَلَوْ قَالَ لَزِمَهُ السُّؤَالُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِفْصَالَ عِنْدَ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِدِينِ الشَّاهِدِ وَعِلْمِهِ وَإِتْقَانِهِ وَاجِبٌ وَأَمَّا مَا تَرَدَّدَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنَّ الْقَاضِي إنْ وَثِقَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي اكْتَفَى بِقَوْلِهِ لَمْ أُقَصِّرْ وَيُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَهُ اسْتِفْسَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْبَائِعُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ نَفْسِهِ بَعْد قَوْلِ الرُّويَانِيِّ لَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْد مَا طَلَّقَ إنَّمَا شَرِبْتُ الْخَمْرَ مُكْرَهًا أَيْ وَثَمَّ قَرِينَةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ فَإِنْ ذَكَرَ مَا يَكُونُ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَذَاكَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا اهـ.
قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُ الْإِكْرَاهَ اهـ فَهَذَا يَزِيدُ اتِّجَاهَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لَهَا نَظَائِرَ يَجِبُ فِيهَا التَّفْصِيلُ مِنْهَا الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ عَلَى خِلَافٍ طَوِيلٍ فِيهِ وَبِالسَّرِقَةِ وَبِأَنَّ نَظَرَ الْوَقْفِ الْفُلَانِيِّ لِفُلَانٍ فَيَجِبُ بَيَانُ سَبَبِهِ وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ إرْثِهِ مِنْ أُخُوَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَقُولُ هَذَا أَخُوهُ وَوَارِثُهُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ أَخٌ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَالشَّهَادَةُ بِبَرَاءَةِ الْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ وَبِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَبِالرُّشْدِ وَبِأَنَّ الْعَقْد كَانَ يَوْمَ الْعَقْدِ زَائِلُ الْعَقْلِ وَبِالْجَرْحِ وَبِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبِالرَّضَاعِ وَالنِّكَاحِ وَبِالْقَتْلِ وَبِأَنَّهُ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَيُبَيِّنُهُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ بَلَغَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا بَلَغَ بِهِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ مُطَلَّقَةً وَبِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّ الْحَالَ يَخْتَلِفُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَبِأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَيْنَ الَّتِي بِيَدِ خَصْمِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكَهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ دَارِهِ الْفُلَانِيَّةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مُصَرِّفِ الْوَقْفِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ فُلَانًا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْمُصَرِّفُ وَلَا الْمُوَصَّى بِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ.
(وَسُئِلَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute