بِمَاءِ الْقَنَوَاتِ وَالسَّوَّاقِي مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ وَلَا نَظَرَ لِمُؤْنَةِ الْقَنَوَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا إصْلَاحُ الضَّيْعَةِ وَالْأَنْهَارِ تُشَقُّ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ وَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ مَرَّةً بَعْد أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْي بِنَحْوِ النَّوَاضِحِ فَإِنَّ مُؤْنَتَهُ تَتَحَمَّلُ لِنَفْسِ الزَّرْعِ وَمِنْهَا أَنَّ السَّائِلَ ذَكَر أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَ بَيْعَ الْمَاءِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَيْضًا وَعِبَارَتُهَا فِيهِ لَا تُدْخِلُ مَسَايِلَ الْمَاءِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شُرْبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَفِي وَجْهٍ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْحُقُوقِ فَرْعٌ) لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِئْرُ مَاءٍ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ فِي الْبِئْرِ حَالَ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ لِلْفَرْقِ وَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ فِي الْبَيْعِ صَحَّ عَلَى قَوْلنَا الْمَاءُ مَمْلُوكٌ بَلْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ دُون هَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ بِمَا يَحْدُثُ لِلْمُشْتَرِي وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ.
قُلْت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ صَحَّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ فِي أَرْضِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ وَفُرُوعِهِ يَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَتْ عِبَارَتُهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَمْ تُسَقْ لِبَيَانِ حُكْمِ الْمَاءِ بَلْ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ دُخُولِهِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا اُسْتُشْكِلَ بِقَوْلِهِمْ صَحَّ بَيْعُ دَارٍ بِدَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ بِئْرٍ مَاءٌ وَلَا إشْكَالَ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَاءِ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ لَا يُنَافِيه كَوْنُهُ مَقْصُودًا فِي نَفْسه حَتَّى يَشْتَرِطَ التَّعَرُّضَ لَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا ذُكِرَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ اُغْتُفِرَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَمَا يَشْتَرِطُ الرُّؤْيَة مِنْهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَاءَ حَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا وَوَرَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْلُومِ مِمَّا مَرَّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ حَالَ الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا وَكَذَا سَائِرُ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْمَاء مِنْهَا فَتَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوهَا وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ وَكَذَلِكَ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَحَلِّهِ فَفِي الْبِئْرِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِهِ عِنْد أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ جُدْرَانِهَا وَنَحْوهَا وَفِي نَحْوِ الْقَنَاةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهَا جَمِيعًا بِأَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ عَنْهَا وَلَا تَكْفِي رُؤْيَتُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الطَّوِيلَةِ الذَّيْل، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَخْصٍ وَجَدَ جَارِيَةً ذَاهِبَةً فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً وَصَارَ يَبْحَثُ عَنْ مَالِكهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ تَضَرَّرَ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا فَرَفَعَ أَمْرَهَا إلَى قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ شَافِعِيٍّ وَأَخْبَرَهُ بِالْقَضِيَّةِ ثُمَّ إنَّ الْقَاضِي اقْتَضَى رَأْيُهُ الْكَرِيمُ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَيْهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَجْعَلهُ تَحْت يَدِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ لِأَمَانَتِهِ وَدِينِهِ فَأَرْسَلَ إلَى أَرْبَابِ الْخِبْرَةِ مِنْ الدَّلَّالِينَ وَثَمَّنُوا الْجَارِيَةَ الْمَذْكُورَةَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَذِنَ الْقَاضِي لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَدْفَع ثَمَنَ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَالِكِهَا إذَا وَجَدَهُ أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ لِقَيِّمٍ شَرْعِيٍّ عَنْهُ فَاسْتَمَرَّتْ الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَحْت يَدِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ الْوَطْءُ صَحِيحٌ جَائِزٌ وَالْأَوْلَادُ مِنْهَا أَحْرَارٌ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَهَلْ يَبْرَأُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْقَاضِي الْمَذْكُورِ بَعْد مَوْتِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِالْقَضِيَّةِ الْمَشْرُوحَةِ أَعْلَاهُ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ وَإِذَا تَعَذَّرَ شَاهِدٌ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَلْ يَكْفِي يَمِينُ الشَّخْصِ مَعَ الْوَاحِدِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) إذَا تَوَفَّرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي بَيْع الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَاعَهَا الْقَاضِي بَيْعًا صَحِيحًا بِشُرُوطِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ حَالًا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ مَلَكهَا الْمُشْتَرِي وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا فَالْأَوْلَادُ مِنْهَا أَحْرَار وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَلَيْسَ لِمَالِكِهَا أَخْذُهَا مِنْهُ وَإِنَّمَا لَهُ الثَّمَنُ فَقَطْ وَإِذَا وَافَقَ ظَاهِرُ الْأَمْر بَاطِنَهُ الْمَذْكُورَ كَانَ الْمُشْتَرِي بَرِيئًا فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي بِمَا ذُكِرَ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَلَا يَكْفِي عَدْلٌ وَيَمِينٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَسْكَنَهَا شَخْصًا آخَرَ ثُمَّ بَعْد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute