وَهُوَ الرَّاكِدُ فَيَصِحُّ فِيهِ كَالْقَرَارِ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْجَارِي فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْقَرَارِ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمِلْكُهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ عَدَمُ التَّنَاقُضِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مَفْرُوضَةٌ فِي غَيْرِ مَا فُرِضَتْ فِيهِ الْأُخْرَى ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْقَرَارِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ مَحَلُّ النَّبْعِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَهُ الْمَاءَ فَفَصَلَ فِيهِ بَيْنَ الرَّاكِدِ وَالْجَارِي وَيُطْلَقُ الْقَرَارُ أَيْضًا عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِلْكُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ إنَّ مَالِكَهُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَةٌ هَذَا فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَة لِأَنَّ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا رَاكِدًا كَانَ أَوْ جَارِيًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ.
وَالْوَاقِعُ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ التَّفْصِيلُ بَيْن الرَّاكِدِ وَالْجَارِي فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ الْمُسْتَلْزِمُ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ إنْ مَلَكَ مَحَلَّ نَبْعِهِ أَوْ كَانَ حَاصِلًا مِنْ غَيْرِ مَاءٍ مُبَاحٍ فَإِنْ قُلْت جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِمَا بِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ بِأَنْ مُرِيدِينَ بِهَا كَأَنْ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِهَا لَا يَقْتَضِي حَصْرَ الصُّورَةِ فِي ذَلِكَ بَلْ يَشْمَلُ قَوْله قَبْلَهُ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ ذَلِكَ وَغَيْره كَبَيْعِهِ مَعَ الْقَرَارِ وَحِينَئِذٍ فَيُنَافِي مَا قَالَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ قُلْت إنَّمَا يُحْمَلُ بِأَنْ عَلَى كَأَنْ حَيْثُ عُلِمَ عَدَمُ حَصْرِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ فِي بِأَنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَهَا وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ بِأَنْ هُنَا بِمَعْنَى كَأَنْ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا وَأَنَّهَا تَشْمَلُ الْقَرَارَ الْمَذْكُورَ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ فَيُحْمَلُ الْقَرَارُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ عَلَى الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ.
وَيَدْخُلُ الْمَاءُ تَبَعًا لَا قَصْدًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا وَأَمَّا الْقَرَارُ فِي الثَّالِثَةِ فَقَدْ مَرَّ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَيْضًا وَإِنْ سَلَّمْنَا مَا ذَكَرُوا وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ فِي الْعِبَارَتَيْنِ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا إنْ سَلِمَتْ إنَّمَا هِيَ فِي الْجَارِي أَمَّا الرَّاكِدُ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ مَعَ الْأَرْضِ وَالْقَرَارِ بِشَرْطِهِ وَمَرَّ فِي الْبَابِ الثَّانِي ذِكْرُ كَلَامِ الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ وَبَيَانُ مَحْمَلِهِمَا وَمَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا هُنَا فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ سِيَّمَا رَدَّ اعْتِرَاضَاتِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الثَّالِثَةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الرَّابِعِ فَهُوَ لَمْ يُسَقْ لِبَيَانِ حُكْمِ بَيْعِ الْمَاءِ بَلْ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ دُخُولِهِ أَوَّلًا وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شِرْبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هَذَا كَمَا تَرَى فِي الشِّرْبِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَرَّ فِي الشِّرْبِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكِ.
وَبَعْدَ أَنْ بَانَ لَك صِحَّةُ عِبَارَتِهَا وَأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا فَلْنَذْكُرْ مَا وَقَعَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهَا مِنْ إشْكَالٍ وَجَوَابٍ وَنَقْدٍ وَرَدٍّ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَنَقُولُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّمَا يَتَّضِحُ رَدُّهُمْ إنْ سُلِّمَ لَهُمْ دَعْوَى الْجَهَالَةِ بِالْقِسْطِ وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَقَدْ قَالَ جَمْعٌ فِي نَحْوِ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَنَّ الْبَاطِلَ يَقُومُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ هُنَا يُقَدَّرُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً وَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَهُمْ الْمَالِكِيَّةُ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ بِمَا يُشَابِهُهُ كَالْخَلِّ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالْعَنْزِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْجَارِي بِمَا يُشَابِهُهُ فَيُقَدَّرُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ حَالَ الْبَيْعِ رَاكِدًا وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَرْضِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْهُولِ الَّذِي إذَا ضُمَّ لِلْمَعْلُومِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَإِلَّا فَتُفَرَّقُ الصَّفْقَة أَنْ يُجْهَلَ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ كَ (بِعْتُكَ) هَذَا الْعَبْدَ وَعَبْدًا آخَرَ أَمَّا إذَا جَهِلَهُ الْعَاقِدُ فَقَطْ وَهُوَ مُعَيَّنٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَحَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَقُلْنَا بِفَسَادِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَرْجَحُهُمَا الصِّحَّةُ فِي عَبْدِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَابٌ ثَانٍ عَمَّا رَدُّوا بِهِ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَإِجْرَاءَهَا خِلَافَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَهُوَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute