للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَهِلَ أَصْلَهَا عَلَى الْخَطَرِ اهـ وَمَعَ كَلَامِهِ هَذَا فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِكَلَامِهِمَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ هُوَ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَرُدُّهُ نَقْلًا فَإِنَّ كَلَامَ التَّتِمَّةِ الَّذِي سَاقَهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إلَخْ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ إخْرَاجٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ فَرْضُهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكَلَامِهِمَا بَلْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَذَا الْفَرْضِ التَّقْيِيدَ بَلْ مُجَرَّدَ التَّصْوِيرِ لِأَنَّ مَدَارَ الْمَسْأَلَةِ كَيْفَ فَرَضَهَا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ السَّقْيُ وَالِانْحِصَارُ السَّابِقَانِ وُجِدَ الْمِلْكُ لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ حِينَئِذٍ وَمَتَى انْتَفَيَا انْتَفَى وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي إلَخْ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ التَّعْوِيلَ هُنَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَعَ وُجُودِ السَّقْيِ وَالِانْحِصَارِ الْمَذْكُورَيْنِ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الْمِلْكِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ السَّابِقَيْنِ وَلَا نَظَرَ لِبُعْدِ أَرَاضِيهمْ عَنْهُ وَلَا لِتَخَلُّلِ مَجَارِيهمْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ أَعْنِي الْبُعْدَ وَالتَّخَلُّلَ لَيْسَ مُنَافِيًا لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ إضَافَةِ النَّهْرِ إلَى أَرْبَابِهِ مَعَ وُجُودِ كُلٍّ مِنْ ذَيْنِك.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ سَقَى مِنْهُ مَالِكٌ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ هُوَ الَّذِي لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَهُمَا بِهِ وَإِنَّمَا قَالَا إنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ أَصْحَابَ يَدٍ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّقْيُ وَالِانْحِصَارُ السَّابِقَانِ وَمَتَى وُجِدَا وُجِدَ الْمِلْكُ لِاسْتِلْزَامِهِمَا وُجُودَ الِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ السَّابِقَيْنِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ نَفْسُهُ أَنَّ وُجُودَهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ وَقَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ وَحَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ فَقَالَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ رَجَّحَا ثَانِيَهُمَا وَالتَّعْوِيلُ فِي التَّرْجِيحِ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا سَلَفٌ فِيهِ فَكَيْفَ وَلَهُمَا سَلَفٌ أَيُّ سَلَفٍ وَهُوَ كَلَامُ التَّتِمَّةِ السَّابِقُ فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا رَدَّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ مِمَّا مَرَّ عَنْهُ لَكِنَّهُ فَصَّلَ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا مَرَّ وَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ نَبْعُ النَّهْرِ فِي أَرَاضِيِهِمْ الْمَمْلُوكَةِ فَلِيَكُنْ الْقَوْلُ بِالْمِلْكِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ نَبْعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ لَهُمْ مِنْ مَدٍّ عَظِيمٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ.

قُلْتُ هَذَا التَّفْصِيلُ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا فِي ذَاتِهِ إلَّا أَنَّ إجْرَاءَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِأَنَّ الصُّورَةَ كَمَا مَرَّ أَنَّ النَّهْرَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ مَحَلُّ نَبْعِهِ لَمْ يُدْرَ هَلْ حَصَلَ بِوَاسِطَةِ حَفْرٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ انْخِرَاقِهِ مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ وَأَمَّا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَحَقُّقِ الْحَالِ وَعِنْد تَحَقُّقِهِ تَارَةً يَكُونُ مَحَلُّ النَّبْعِ فِي مِلْكٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا وَتَارَةً يَكُونُ فِي مُبَاحٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ إجْرَاءَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ صُورَتِهَا إذْ مَعَ مُلَاحَظَةِ صُورَتِهَا لَا يُمْكِنُ جَرَيَانُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيهَا لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْمَنْبَعِ وَمَحَلَّهَا عِنْد التَّرَدُّدِ فِيهِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا هَذَا وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ وَهِيَ أَنَّ إشْكَالَ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ وُرُودُهُ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ النَّهْرِ وَأَمَّا عُيُونُ الْحِجَازِ فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَالَ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مِنْهَا لِجَمَاعَةٍ مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهَا وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا يَسْقِي بِهِ أَرْضَهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ.

وَالزَّرْكَشِيُّ قَائِلٌ بِالْمِلْكِ عِنْد وُجُودِ ذَلِكَ فَهُوَ قَائِلٌ بِالْمِلْكِ فِي الْعُيُونِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مُنَازِعًا فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي نَازَعَ فِيهِ فِي الْأَنْهَارِ لَمْ يُوجَدْ جَمِيعُهُ فِي الْعُيُونِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَلَكِنْ هُنَا أَيْ فِي النَّهْرِ عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعُيُونِ فَإِنَّ الْعُرْفَ وَالْحِسَّ قَاضِيَانِ مُنْذُ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَمْ يُعَارِضْ الْمِلْكَ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدَ الزَّرْكَشِيّ فَكَانَ قَائِلًا بِالْمِلْكِ فِيهَا بِحَسْبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ هَذَا وَبَعْد أَنْ ظَهَرَ لَك مِنْ كَلَامِهِ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّكَ إنْ سَلَّمْت لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>