للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتِرَاضَهُ السَّابِقَ وَكَانَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَذْكُرَ هَذَا وَلَا نَتَعَرَّضَ لِرَدِّ كَلَامِهِ لَكِنْ أَحْبَبْنَا أَنْ نُبَيِّنَ تَزْيِيفَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الشَّيْخَيْنِ وَأَنَّ كَلَامَهُمَا فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ جَارٍ عَلَى نَهْجِ الصَّوَابِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَلِذَا أَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ سِيَّمَا مَشَايِخُ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ.

فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ كَلَامِ الْجَمَّالِ بْنِ ظَهِيرَةَ وَأَسْئِلَتِهِ لِشَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ عُيُونَ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ لَا تُمَلَّكُ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ السُّؤَالِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِتِلْكَ الْعُيُونِ الَّتِي بِمَرِّ الظَّهْرَانِ مِنْ أَعْمَالِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي مَجَارٍ إلَى أَنْ يَبْرُزَ إلَى الْأَرَاضِي الَّتِي يَبْقَى فِيهَا وَيَتَبَايَعُونَهُ بِالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالسَّاعَاتِ يَشْتَرِي الشَّخْصُ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا وَيَمْلِكُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فِي أَنَّ الْمَاءَ يُمَلَّكُ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ الْجَوَابِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذَا السُّؤَالِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالتَّبَايُعُ الْوَاقِعُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَاءَ يُمَلَّكُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ وَالسَّبَبُ الَّذِي قَدْ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ قَدْ مَرَّ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ يَدٌ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمَحَلِّ وَالْمَاءِ النَّابِع مِنْهُ وَفِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَتْ فَهَلْ هَذَا التَّوَهُّمُ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ أَوْ الْمُجِيبِ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَمَا وَجْهُ فَسَادِهِ قُلْت هُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ وَوَجْهُ فَسَادِهِ أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا أَنَّ مَحَلَّ النَّبْعِ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا ثُمَّ سَأَلَ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ التَّبَايُعُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَحِينَئِذٍ فَتَوَهُّمُ عَدَمِ الْمِلْكِ مِنْ هَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَزِيدِ الْجَهَالَةِ وَالْغَبَاوَةِ لِأَنَّهُ وَطَّأَ لِسُؤَالِهِ عَنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِأَنَّ مَحَلَّ النَّبْعِ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا فَهُوَ لَمْ يَحْكُمْ بِشَيْءٍ حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهِ فَمَنْ نَسَبَ إلَى عِبَارَتِهِ هَذِهِ أَنَّهُ حَكَمَ فِيهَا بِعَدَمِ مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى.

وَأَمَّا الْمُجِيبُ فَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ عُيُونِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ يَدٌ كَانَ مَمْلُوكًا وَمَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَدٌ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِعِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ الَّتِي سَاقَهَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحَلَّ النَّابِعِ فِي عُيُونِ مَكَّةَ عَلَيْهِ يَدٌ أَيُّ يَدٍ فَلْيَكُنْ مَمْلُوكًا وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ مَحَلُّهُ حَيْثُ جُهِلَ أَصْلُهُ وَلَا يَدَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ يَدٌ عَلَى الْمَحَلِّ النَّابِعِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمَحَلِّ وَالْمَاءِ النَّابِعِ مِنْهُ وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ فَعَلِمْنَا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَهْلَ بِالنَّبْعِ إنَّمَا يُؤْثِرُ عَدَمَ الْمِلْكِ حَيْثُ لَا يَدَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَحَدٍ كَانَ مَمْلُوكًا وَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا بِقَرِينَةِ سِيَاقِهِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِهَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَدِ هُنَا الْيَدَ الْحِسِّيَّةَ بَلْ تَكْفِي الْيَدُ الْحُكْمِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ النَّابِعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِسَقْيِ أَرَاضِي لَا مَاءَ لَهَا غَيْرُهُ.

وَيَكُونُ أَهْلُهَا يُعَدُّونَ مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهِ لِتَصَرُّفِهِمْ فِيهِ وَمَنْعِهِمْ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي عُيُونِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ فَلَا شُبْهَةَ غَيْرُ فَرْطِ الْجَهْلِ وَسُوءُ الْفَهْمِ لِمَنْ تَوَهَّمَ عَدَمَ الْمِلْكِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُجِيبِ أَوْ مِنْ عِبَارَةِ السَّائِلِ وَإِذَا تَقَرَّرَ فِي عُيُونِ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَنْبَعًا وَمَجْرًى وَغَيْرَهُمَا فَيَصِحُّ بَيْعُهَا كُلِّهَا أَوْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا ثُمَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَتْ رُؤْيَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَكْفِي مِنْ وَرَاءِ الْمَاءِ وَلَوْ صَافِيًا.

وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ كَمَحَلِّ النَّابِعِ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ وَعَلَى حَرِيمِهِ غَائِصٌ فِي الْأَرْضِ نَحْو قَامَةٍ فَأَكْثَرَ اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِمَا يُمْكِنُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ وَلِتَعَذُّرِ الْحَفْرِ حَتَّى يَنْكَشِفَ وَيُرَى لِأَنَّ بَعْضَ الْعُيُونِ قَدْ يَنْتَهِي إلَى جَبَلٍ أَوْ وَهْدَةٍ عَظِيمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

فَلَوْ كُلِّفَ النَّاسُ الرُّؤْيَةَ فِيهِ لَشَقَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>