ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لَا تُطَاقُ بَلْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَ اللَّائِقُ بِقَوَاعِدِهِمْ الْمُسَامَحَةُ. بَعْدَ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ مَا تَعَذَّرَتْ رُؤْيَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ أُمُورٌ الْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ إذَا رُئِيَ بَعْضُ الْمَبِيعِ دُونَ بَعْضٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْجَرَّةِ مِنْ الدِّبْسِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ يَزُولُ غَرَرُ الْجَهَالَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَاطِنَ كَالظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشُقُّ رُؤْيَةُ بَاقِيهِ كَالْجَوْزِ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَاطِنِ تَشُقُّ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا كَرُؤْيَةِ أَسَاسِ الْحِيطَانِ اهـ.
وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَنَّهُ إذَا بِيعَ فِيهَا الْمَنْبَعُ وَالْمَجْرَى اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَجْرَى دُونَ الْبَاقِي لِتَعَذُّرِ رُؤْيَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرِهِمَا
لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَعْظَمُ
وَلَا يُقَالُ لَيْسَ مَلْحَظُ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِمَا فَقَطْ أَنَّ بَقَاءَ الْبَاطِنِ فِيهِ مِنْ مَصَالِحِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مَلْحَظٌ آخَرُ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِنَّمَا نَظَرَ لِلْمَشَقَّةِ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالصَّلَاحِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَصِحُّ النَّظَرُ إلَيْهَا عَلَى حِيَالِهَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَلَامُهُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَقِيَاسُهُ لِذَلِكَ عَلَى أَسَاسِ الْجُدْرَانِ ثَبَتَ الِاكْتِفَاءُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا أَعْظَمُ فَإِنْ قُلْتَ مَلْحَظُ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ كَوْنُهُ صَوَّانًا خِلْقِيًّا قُلْتُ مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا تَكْفِي رُؤْيَةُ صَدَفِ الدُّرِّ.
وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ قَبْلَ فَتْحِهَا مَعَ أَنَّ الصَّوَّانَ فِيهِمَا خِلْقِيٌّ فَبَطَلَ النَّظَرُ إلَى مُجَرَّدِ كَوْنِ الصَّوَّانِ خِلْقِيًّا وَفَارِقُ هَذَيْنِ نَحْوَ الْجَوْزِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِمَا وَإِنْ قَلَّ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَمَلُ عُرْفًا لِأَنَّهُمَا لِنَفَاسَتِهِمَا يَكُونُ قَلِيلُهُمَا بِمَالٍ عَظِيمٍ وَالصَّوَّانُ غَيْرُ الْخِلْقِيِّ فِي نَحْوِ الْخَشْكُنَانِ وَالْكَعْكِ الْمَحْشُوِّ كَالْخِلْقِيِّ فَإِنْ قُلْتَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ الْمَبِيعُ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ قُلْت وَكَذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ هُوَ اللُّبُّ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَإِنْ قُلْتَ رُؤْيَةُ الْقِشْرِ تَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ اللُّبِّ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَجْرَى فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَنْبَعِ قُلْتُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ رُؤْيَةِ الْقِشْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى رُؤْيَةِ اللُّبِّ بِوَجْهٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ بَلْ وَلَا يُمْنَعُ فِيهِ وَلَا الْجَهَالَةُ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَتُهُ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ فِي صُورَتِنَا لِذَلِكَ الثَّانِي كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَشْرِ نَحْوِ الْبَيْضِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُنْدُقِ وَالْقِشْرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ إلَّا بِهَدْمِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ.
وَيُحْفَرُ مَا حَوْلَهُ مِنْ التُّرَابِ الْمُتَرَاكِمِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمَنْبَعُ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَجْرَى الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ مِنْهُ إلَى الْأَرَاضِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَبِيعُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ تِلْكَ الْعُيُونِ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَمَّا فَرْضُ وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَنْبَعِ وَحْدَهُ دُونَ الْمَجْرَى فَبَعِيدٌ يَشْهَدُ الْحِسُّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّا نَرَى وَاضِعِي الْأَيْدِي عَلَى تِلْكَ الْعُيُونِ يُعَمِّرُونَ الْمَجْرَى وَيُصْلِحُونَهُ وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا مُعَارِضٍ وَهَذَا دَلِيلُ الْمِلْكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا فَرْضُ وُقُوعِهِ عَلَى الْمَجْرَى دُونَ الْمَنْبَعِ فَهُوَ مُمْكِنٌ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَحُكْمُهُ فِي الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ ذَلِكَ الْمَجْرَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ كُلِّهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَتَغْيِيرٍ لِعَيْنِهِ بِالْحَفْرِ وَالْهَدْمِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالتَّغَيُّرِ الْمَذْكُورَيْنِ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَمَرَّ أَنَّ مِلْكَ الْمَجْرَى دُونَ الْمَنْبَعِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ الْجَارِي فِيهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِلْكُ الْمَجْرَى أَحَقَّ بِمَا جَرَى فِيهِ الثَّالِثُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الْبِئْرِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّهَا وَلَيْسَ مَلْحَظُ ذَلِكَ إلَّا مَشَقَّةُ رُؤْيَتِهَا.
وَإِذَا سَامَحُوا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ ذَلِكَ فِيهَا مَعَ سُهُولَةِ رُؤْيَةِ ذَلِكَ بِنَزْحِ مَائِهَا وَسَدِّ مَنْبَعِهَا فَأَوْلَى أَنْ يُسَامِحُوا فِي صُورَتِنَا بِرُؤْيَةِ الْمُسْتَتِرِ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ الْمَنْبَعِ وَمِنْ الْمَجْرَى فَإِنْ قُلْتَ إنَّمَا سَامَحُوا فِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute