للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَازَ مُحْتَمَلٌ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ قَوْلُهُمْ يُكْرَهُ لِقَاضِي الْحَاجَةِ مُحَاذَاةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ أَنَّ الْقِبْلَةَ إنَّمَا كَانَتْ صَخْرَتَهُ لَا هُوَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الصَّخْرَةُ، فَإِطْلَاقُ اسْمِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَيْهَا مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَجُوزُ غَسْلُ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ بِمَطْعُومٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَةٍ فَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْسِلَ الدَّمَ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ الْحَدِيثُ.» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْخَطَّابِيِّ: الْمِلْحُ مَطْعُومٌ فَقِيَاسُهُ جَوَازُ غَسْلِ الثَّوْبِ بِالْعَسَلِ كَثَوْبِ الْإِبْرَيْسَمِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الصَّابُونُ، وَبِالْخَلِّ إذَا أَصَابَهُ حِبْرٌ وَنَحْوُهُ، قَالَ: وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا التَّدَلُّكُ بِالنُّخَالَةِ، وَغَسْلُ الْأَيْدِي بِدَقِيقِ الْبَاقِلَّاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ قُوَّةُ الْجِلَاءِ، وَحَدَّثُونَا عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْت الْحَمَّامَ بِمِصْرَ فَرَأَيْت الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَدَلَّكُ بِالنُّخَالَةِ اهـ. فَعُلِمَ بِهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَطْعُومِ فِي إزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَالنَّجَاسَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَيُفَارِقُ الِاسْتِنْجَاءَ بِأَنَّهُ أَفْحَشُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُزِيلَ هُوَ الْمَاءُ بِوَاسِطَتِهِ فَلَمْ يُبَاشِرْ النَّجَاسَةَ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِكُتُبِ الْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؟ وَهَلْ يَحْرُمُ مُطَالَعَةُ هَذَيْنِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَوَّلَيْنِ أَوْ لَا؟ الْقَصْدُ بَسْطُ ذَلِكَ وَتَحْرِيرُهُ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَوَّلَيْنِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ فِي كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَاضِحٌ، وَأَمَّا فِي كُتُبِ الْمَنْطِقِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَشَرْطُهُ كَالْأَوَّلِ أَنْ يَخْلُوَ ذَلِكَ الطِّرْسُ الْمُسْتَنْجَى بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهَا: يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ كَاسْمِ اللَّهِ أَوْ اسْمِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ.

وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ مُتَقَدِّمٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ، بَلْ كُلُّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِذَلِكَ وَهْمٌ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا قَيَّدْنَا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَطْرٍ وَنَحْوِهِ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ حِينَئِذٍ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالتَّوْرَاةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَقَيَّدَهُ مَنْ بَعْدَهُ بِمَا عُلِمَ تَبْدِيلُهُ مِنْهَا وَإِلَّا فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ، وَوَاضِحٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا خَلَا عَنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ، ثُمَّ فِي تَبْدِيلِهَا أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا كُلَّهَا بُدِّلَتْ، فَلَعَلَّ الْقَاضِيَ اعْتَمَدَ هَذَا؛ فَأَطْلَقَ مَا مَرَّ.

ثَانِيهَا: بُدِّلَ أَكْثَرُهَا، وَأَدِلَّتُهُ كَثِيرَةٌ، وَالْأَوَّلُ قِيلَ: مُكَابَرَةً إذْ الْأَخْبَارُ وَالْآيَاتُ كَثِيرَةٌ فِي أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يُبَدَّلْ. ثَالِثُهَا: بُدِّلَ أَقَلُّهَا وَنَصَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَابِعُهَا: بُدِّلَ مَعْنَاهَا فَقَطْ دُونَ لَفْظِهَا، وَاخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ صَحِيحِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاغْتَرَّ بِهَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي حُجَجِهِ وَجَوَّزَ مُطَالَعَتَهَا، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا، وَالِاشْتِغَالُ بِالنَّظَرِ فِيهَا وَبِكِتَابَتِهَا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ «، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْهَا وَقَالَ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا وَمَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي» ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مَا غَضِبَ مِنْهُ اهـ. لَكِنْ تَعَقَّبَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ فَلَا كَلَامَ، وَقَدْ قَيَّدَهُ بِالِاشْتِغَالِ بِكِتَابَتِهَا وَنَظَرِهَا فَإِنْ أَرَادَ مَنْ يَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ فَقَطْ فَلَا يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ الْجَوَازَ إذَا تَشَاغَلَ بِغَيْرِهِ مَعَهُ، وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ التَّشَاغُلِ فَهُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ، وَفِي وَصْفِهِ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ بِالْبُطْلَانِ نَظَرٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ نُسِبَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالتَّوْرَاةِ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ الدَّفْعِ بِالصَّدْرِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَضِيَّةِ عُمَرَ إذْ قَدْ يَغْضَبُ مِنْ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ، وَخِلَافِ الْأَوْلَى مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ كَتَطْوِيلِ مُعَاذٍ الصُّبْحَ بِالْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ، وَالْأَوْلَى التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرَّاسِخِ فِي الْإِيمَانِ فَلَهُ النَّظَرُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَقْلُ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ التَّوْرَاةِ وَإِلْزَامُهُمْ الْيَهُودَ بِالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ كِتَابِهِمْ، وَلَوْلَا اعْتِقَادُهُمْ جَوَازَ النَّظَرِ فِيهِ لَمَا فَعَلُوهُ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ فَلَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَإِنْ اعْتَمَدَ السُّبْكِيّ مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَطَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَالشَّافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>