للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِيُّ الْأَمْرِ النَّاسَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ الِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَكُونُ الصِّيَامُ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَالَ وَمَنْ أَخَلَّ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَثِمَ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يُحْتَمَلُ تَرْجِيحُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا سُنَّةٌ فَإِذَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ صَارَ وَاجِبًا خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاسْتِشْهَادُهُ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ مَرْدُودٌ بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ التَّعَامُلِ بِنَقْدٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ سَائِغٍ لَهُ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ وَمِنْ قَوْلِهِمْ إذَا سَعَّرَ الْإِمَامُ وَجَبَ امْتِثَالُهُ وَإِنْ حَرَّمَ، عَلَيْهِ أَنْ يُحَرِّمَ التَّعَامُلَ بِهَا ظَاهِرًا لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ الْعَصَا لَا بَاطِنًا لِتَعَدِّي الْإِمَامِ بِتَحْرِيمِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا نَعَمْ إنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً عَامَّةً حَرَّمَ التَّعَامُلَ بِهَا مُطْلَقًا عَلَى الْأَوْجُهِ.

وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا تَقَرَّرَ عَلِمْتَ أَنْ مَسْأَلَةَ الْفُلُوسِ أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ النَّقْدِ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ النَّقْدِ فِيمَا أَبْطَلَهُ الْإِمَامُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَسْأَلَةَ الْفُلُوسِ لَمْ يُبْطِلْهَا بَلْ غَيَّرَ حِسَابَهَا فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَبْطَلَهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ النَّقْدِ أَيْضًا لِجَرَيَانِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلُوا بِهَا النَّقْدَ فِيمَا مَرَّ عِنْد إبْطَالِهِ فِي الْفُلُوسِ إذَا أُبْطِلَتْ وَتَوَهُّمُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا لَا يُجْدِي فَاحْذَرْهُ بَلْ نُقِلَ عَنْ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا قَائِلَةٌ بِتَسَاوِيهِمَا فِي ذَلِكَ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالَ فِي الْبَيَانِ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ ضَرْبِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفُ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهَكَذَا يَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَتَبَايَعُونَ بِالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ اهـ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يُعَبِّرُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ وَيُسَمُّونَ عَدَدًا خَاصًّا مِنْهَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا فِي مِصْرَ وَإِقْلِيمِهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ جُدُدٍ بَلْ هَذِهِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إذًا لَمْ يُعَبَّرْ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مَعَ تَشَارُكِهِمَا فِي النَّقْدِيَّةِ وَكَوْنِهِمَا رِبَوِيَّيْنِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَالْفُلُوسُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُطْلَقَ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ مَا فِي الْبَيَانِ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَيْضًا فَهُوَ إنَّمَا بَنَى الْبُطْلَانَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ إذَا عُبِّرَ بِهَا عَنْهَا صَحَّ أَيْ وَيَكُونُ تَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ مَجَازًا كَقَوْلِك فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفَهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ وَأَيْضًا فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ خِلَافَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَبِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِنَقْدِ الْبَلَدِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِبَلَدِ الْعَقْدِ وَأَيْضًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ لَيْسَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْفُلُوسُ وَتَقْدِيرُ أَعْدَادِهَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالدَّرَاهِمِ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ وَيُقَابَلُ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا بِعَدَدٍ مَحْدُودٍ مَعْلُومٍ حَالَةَ الْعَقْدِ.

فَإِذَا كَانَ مَا يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلْسًا فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُكَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفِ فَلْسٍ فَالدِّرْهَمُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْفُلُوسِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَلَيْسَ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفُلُوسُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ فَإِنَّ الدِّينَارَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالدَّرَاهِمِ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ ثَمَنًا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِمَا لَيْسَ مَقْصُودًا بِالنَّقْدِ وَلَوْ قَالَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حُمِلَ عَلَى الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْفُلُوسِ إذْ الْمَجَازُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَرِينَةٍ وَهِيَ التَّقْيِيدُ هُنَا لَفْظًا لَا غَيْرُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>