نَقْدًا فَهُوَ الثَّمَنُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَا نَقْدَيْنِ أَوْ عَرْضَيْنِ فَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ مَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ الْمُثَمَّنُ جُزَافًا كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ هَلْ يَعُمُّ النَّقْدُ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُحِيطُ بِهِ التَّخْمِينُ وَهَلْ كَرَاهَةُ التَّخْمِينِ تَشْمَلُ الْمَذْرُوعَ وَغَيْرَهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ نَقْدًا بِنَقْدٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا مُثَمَّنَ فِيهِ أَوْ عَرْضًا بِعَرْضٍ فَلَا ثَمَنَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُقَايَضَةٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْ مُبَادَلَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِهَذَا الْعَبْدِ فَعَلَى الثَّانِي الْعَبْدُ الثَّمَنُ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ كَالسَّلَمِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّمَنَ مُثَمَّنًا وَمِنْهَا إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ صَحَّ.
فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الثَّمَنَ مَا لَصِقَ بِهِ الْبَاءُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ فَقِيلَ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ سَلَمٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَلَمٍ لِعَدَمِ اللَّفْظِ وَالْفُلُوسُ وَإِنْ رَاجَتْ كَالْعُرُوضِ وَالْقِيمَةُ خِلَافُ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ رَغَبَاتُ النَّاسِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ.
وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْغُنْيَةِ صِحَّةَ بَيْعِ الْجُزَافِ حَيْثُ قَالَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا ذَرْعُهُ وَلَا عَدُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا يُخَمِّنُهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَأَمُّلِهِ أَمَّا لَوْ عَظُمَتْ الصُّبْرَةُ عِظَمًا مُتَفَاحِشًا أَوْ كَثُرَ غَيْرُهَا مِنْ الْمَعْدُودِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ كَثْرَةً لَا يُخَمِّنُ النَّاظِرُ إلَيْهِ قَدْرَهُ فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ مُعَايَنَتِهِ نَظَرٌ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أَوْ مَائِعًا وَنَحْوَهُ فِي ظَرْفٍ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ دِقَّةً وَغِلَظًا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ إفَادَةِ التَّخْمِينِ بِرُؤْيَتِهِ فَهُوَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ اهـ وَمَا قَيَّدَ بِهِ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ تَرْجِيحُ إطْلَاقِهِمْ وَيُفَارِقُ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ بِأَنَّ نَحْوَ الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ الْبَصَرُ بِوَجْهٍ فَمَنْعُهُ لِإِفَادَةِ التَّخْمِينِ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الْكَثْرَةِ لِأَنَّ الْبَصَرَ مَعَ ذَلِكَ يُحِيطُ بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي بَاطِنِهِ مَا يُخَالِفُ مَا أَدْرَكَهُ النَّظَرُ فِي ظَاهِرِهِ فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَاَلَّذِي فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ كَرَاهَةُ بَيْعِ الْجُزَافِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَذْرُوعَ وَغَيْرَهُ وَمَا وَقَعَ فِي التَّتِمَّةِ مِمَّا يَقْتَضِي اسْتِثْنَاءَ الْمَذْرُوعِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ نَحْوُهُ بِفُلُوسٍ عَدَدِيَّةٍ ثُمَّ قَبْلَ قَبْضِهَا غَيَّرَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ حِسَابَهَا بِزِيَادَةٍ فِي عَدَدِهَا الْمُقَابَلِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ نَقَضَ فِيهِ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَهَلْ الْقَرْضُ وَنَحْوُهُ كَالْبَيْعِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إقْبَاضُ الثَّمَنِ مِنْهَا عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ وَقَعَ التَّغْيِيرُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ لُزُومِهِ بِأَنْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ بَاقِيًا فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ التَّغْيِيرِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي النَّقْدِ الشَّيْخَانِ فِي الْبَيْعِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي الْقَرْضِ وَعِبَارَةُ التَّتِمَّةِ إذَا بَاعَ مَالَهُ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَنْعُ السُّلْطَانِ مِنْ الْمُعَامَلَةِ بِذَلِكَ النَّقْدِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْعِوَضُ مُشَارًا إلَيْهِ فَيُسَلِّمُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ الْتَزَمَهُ فِي الذِّمَّةِ فَيَأْتِي بِالْقَدْرِ الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا جَاءَ بِذَلِكَ النَّقْدِ فَعَلَى الْبَائِعِ قَبُولُهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ مَا عَادَ إلَى الْعَيْنِ وَإِنَّمَا قَلَّتْ فِيهِ رَغَبَاتُ النَّاسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَرَخُصَتْ الْأَسْعَارُ وَلَوْ جَاءَ بِمَا حَدَثَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ اهـ وَشَمِلَ قَوْلُهُ مُعَيَّنٌ الْمُعَيَّنَ بِالذِّكْرِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ أَوْ بِالِانْصِرَافِ إلَيْهِ كَأَنْ كَانَ ثَمَّ غَالِبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ حَصَلَتْ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ دَرَاهِمُ مَوْصُوفَةٌ فَحَظَرَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ غَيْرَهَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَالِبَ بِقِيمَتِهَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ لِأَنَّ نِهَايَةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَخْسًا لِقِيمَتِهَا وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ لِنُقْصَانِ قِيمَتِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَنَاوَلَتْ عِبَارَتُهُ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ وَغَيْرَهُمَا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُتَوَلِّي قَبْلُ وَقَوْلُهُ وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ ظَاهِرُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ السُّلْطَانِ مُعْتَبَرٌ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَنَّهُ يُحَرَّمُ التَّعَامُلُ بِمَا مَنَعَ مِنْ التَّعَامُلِ بِهِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ.
وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] وَبِقَوْلٍ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا أَمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute