بِعَيْنِهَا وَإِنْ لَمْ يُجِزْ لَفْظًا مُمَيَّزًا اهـ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ صُورَةُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَمْ يُصَحِّحْ الشَّيْخَانِ فِيهَا الصِّحَّةَ بَلْ رُبَّمَا يُشْعِرُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ الْمُكْتَفَوْنَ بِالنِّيَّةِ بَعْدَ مَا قَبْلَهُ إنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالنِّيَّةِ هُنَا مَقَالَةٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ تَصْحِيحَ الشَّيْخَيْنِ الصِّحَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَإِنْ قَوَّى اعْتِرَاضَ ابْنِ الصَّبَّاغِ فِيهَا بِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِلْمُكْتَفِينَ بِالنِّيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ تَتَعَدَّدْ بَنَاتُهُ وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظٍ يَشْمَلُ بِنْتَه وَبِنْتَ غَيْرِهِ شُمُولًا بَدَلِيَّا وَقَصْدُ تَزْوِيجِ بِنْتِ الْغَيْرِ بَعِيدٌ جِدًّا فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى بِنْتِهِ أَوْلَى لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ الظَّاهِرَةِ فِيهِ فَلِذَلِكَ أُثِرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ بَنَاتِهِ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَوْلُهُ بِنْتِي يَشْمَلُ كُلًّا مِنْهُنَّ وَلَيْسَ ثَمَّ قَرِينَةٌ غَيْرُ النِّيَّةِ تَكُونُ عَاضِدَةً لَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِوُجُودِ قَرِينَةٍ ثَمَّ وَهِيَ عَدَمُ شُمُولِ لَفْظِهِ لِبِنْتِ الْغَيْرِ فِي حَالَةِ شُمُولِهِ لَبِنْتِهِ وَبِعَدَمِ إرَادَةِ بِنْتِ الْغَيْرِ وَعَدَمِ وُجُودِ قَرِينَةٍ هُنَا ظَاهِرَةٍ ظُهُورَ تِلْكَ الْقَرِينَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِنْتِي يَشْمَلُ كُلًّا مِنْ بَنَاتِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ وَلَا بُعْدَ فِي إرَادَةِ أَيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ.
قُلْتُ جَوَابُهُمْ عَنْ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ وَلِذَا لَمْ يُكْتَفَ بِالْكِنَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِهَا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ وَالزَّوْجَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا أَمْرٌ تَابِعٌ فَاغْتَفَرُوا النِّيَّةَ فِي الْأَمْرِ التَّابِعِ وَلَمْ يَغْتَفِرُوهُ فِي الْأَمْرِ الْمَقْصُودِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي الزَّوْجَةِ لِكَوْنِهَا أَمْرًا تَابِعًا بِالنِّسْبَةِ لِلصِّيغَةِ سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ تُؤَيِّدُ تِلْكَ النِّيَّةَ أَمْ لَا وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ تَخْصِيصَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ بَنَاتٌ اسْمُ إحْدَاهُنَّ فَاطِمَةُ فَقَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَاطِمَةَ فَجُعِلَ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِنْتِي فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ جَزْمًا وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِلَّا وُجِّهَ فِيهِمَا الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بِعْتُكَ هَذَا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَهُنَاكَ نَقْدَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْغَلَبَةِ وَقِيمَتُهُمَا مُتَفَاوِتَةٌ حَيْثُ لَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ غَيْرَ مَحْضِ النِّيَّةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ بَعْدَ إرَادَةِ بِنْتِ الْغَيْرِ فِيمَا إذَا قَالَ زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ أَوْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ فِي زَوَّجْتُكَ بِنْتِي قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى الْمَقْصُودِ غَيْرَ النِّيَّةِ.
فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهَا الِاكْتِفَاءُ بِهَا مَعَ عَدَمِ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْمَقْصُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْفُلُوسِ فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ كَالنَّقْدِ فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ فِي الْبَلَدِ دَرَاهِمُ عَدَدِيَّةٌ نَاقِصَةُ الْوَزْنِ أَوْ زَائِدَتُهُ نَزَلَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَالتَّعْلِيقِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْفُلُوسِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ النَّظَرِ لِوَزْنِهَا بَلْ لِمُجَرَّدِ عَدَدِهَا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ فَهَلْ يَضُرُّ جَهْلُ الْعَاقِدَيْنِ بِجُمْلَتِهِ حَالَ الْعَقْدِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ مَا يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارُ الْجُمْلَةِ بِالتَّأَمُّلِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَمَسَائِلِ الدُّورِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يُصَرِّحُ بِالصِّحَّةِ حَيْثُ ذَكَرَا مَا يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارُ الْجُمْلَةِ بِالتَّأَمُّلِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالطُّرُقِ الْحِسَابِيَّةِ كَطَرِيقِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْسُرُ عِلْمُهُ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا بَلْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الصِّحَّةَ وَإِنْ ذَكَرَا فِي الْعَقْدِ مَا يَعْسُرُ اسْتِخْرَاجُهُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ كَبِعْتُكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنِصْفِ وَرُبْعِ دِينَارٍ إلَّا خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَتُسْعَ وَعُشْرَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْلَمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ فِيهِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا وَرُبْعًا مَثَلًا اُحْتِيجَ فِي اسْتِخْرَاجِهِ إلَى مَزِيدِ تَكَلُّفِ حِسَابٍ يَعْسُرُ اسْتِخْرَاجُهُ عَلَى كَثِيرٍ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ الْعَقْدُ.
(وَسُئِلَ) أَبْقَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ وَقَعَ فِي الثَّمَنِ خِلَافٌ فَقِيلَ هُوَ النَّقْدُ وَقِيلَ مَا الْتَصَقَتْ بِهِ الْبَاءُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute