تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ خَصْمِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ خَصْمِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ نَقْلًا وَمَعْنًى فَالْوَجْهُ خِلَافُهُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ لَا يَخْفَى مَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَيْعِ الْخُمُورِ وَتَعَاطِي الرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ تَحِلُّ مُعَامَلَتُهُمْ وَهَدَايَاهُمْ وَتُحَرَّمُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَحَقَّقْ حَرَامًا مُعَيَّنًا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُمْ وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِمْ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ هَدَايَاهُمْ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ كَأَنْ رَأَى ذِمِّيًّا يَبِيعُ خَمْرًا وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَأَعْطَاهُ لِلْمُسْلِمِ عَنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ قَبُولُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ عَنْ النَّصِّ مَا يُوَافِقُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَقِيدَتِنَا وَإِنْ كُنَّا نُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِ الظَّلَمَةِ وَمَنْ أَكْثَرُ أَمْوَالِهِ حَرَامٌ فَيُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْحَرَامِ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِهِ وَيُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ صَارَ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَحَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «مَنْ لَمْ يَسْأَلْ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَلَا مِنْ أَيْنَ مَشْرَبُهُ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ أَدْخَلَهُ» ظَاهِرٌ فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى تَنَاوُلِ مَا حَلَّ بِيَدِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ حَرَامٍ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى الْوَرَعُ تَرْكَهُ.
وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي غَيْرِ الْبَسِيطِ تَحْرُمُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ بَالَغَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي رَدِّهِ وَقَالَ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِنَا وَإِنَّمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْأَبْهَرِيِّ الْمَالِكِيِّ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي يَدِ السُّوقَةِ حَرَامٌ لَمْ يَجِبْ السُّؤَالُ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّ بِيَدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ حَرَامٌ فِيهَا وَاحِدٌ حَلَالٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ بَرِّيَّةٌ بِأَلْفِ حَمَامَةٍ بَلَدِيَّةٍ وَفَرَّقَ بِأَنَّ هُنَا أَصْلًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْيَدُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحِلِّ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَامَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا الْحِلُّ وَتَرَجَّحَ بِالْيَدِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مِثْلُ هَذَا الْمُرَجَّحِ فَثَارَ الْخِلَافُ وَفَارَقَ أَيْضًا مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ مُذَكَّيَاتٌ مَحْصُورَةٌ بِمَيْتَاتٍ مَحْصُورَةٍ بِأَنَّ الْمَيْتَةَ حَرَامٌ لِذَاتِهَا وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحَلَالِ بِيَدِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ تَحْرِيمُ الْأَخْذِ وَالْمُعَامَلَةِ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا وَاشْتَبَهَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْحَنَابِلَةُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بَاعَ شَيْئًا فِي يَدِهِ لَا يَدْرِي هُوَ لَهُ أَمْ لَا وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالِاحْتِيَاطِ مَا أَمْكَنَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا اجْتَهَدَ فَلَمْ يَظْفَرَ بِعَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَا نَظَرَ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ ذِي الْيَدِ وَأَمَّا ذُو الْيَدِ إذَا لَمْ يَدْرِ اسْتِنَادَهَا لِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فَلَا تَكُونُ دَالَّةً عَلَى الْمِلْكِ فِي حَقِّهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِمْ الْيَدُ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ جَوَازُ مُعَامَلَةِ مَنْ يُعْلَمُ اخْتِلَاطُ مَالِهِ بِحَرَامٍ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ اجْتِهَادٍ فِي تَمْيِيزِ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَامِ وَوُجُوبُهُ عَلَى ذِي الْيَدِ إذَا اخْتَلَطَ مَا فِيهَا بِحَرَامٍ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِهِ لَا بِنَا وَإِذَا جَهِلَ وَتَصَرَّفَ فِي الْمُشْتَبَهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ لَا عَلَيْنَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِظُلْمِهِ وَفِسْقِهِ قُلْنَا لِأَنَّ دَلَالَةَ الْيَدِ كَافِيَةٌ عَلَى أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ قَالَ لَوْ أَخْبَرَنَا فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الشَّاةَ قَبِلْنَاهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ اهـ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْمٍ عُرِفُوا بِعَدَمِ تَوْرِيثِ الْبَنَاتِ كَأَهْلِ بَجِيلَةَ فَمَا حُكْمُ مَا يَجْلِبُونَهُ لِمَكَّةَ مِنْ الْحَبِّ وَاللَّوْزِ وَالزَّبِيبِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِبِرْكَتِهِ وَعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ عُلِمَ أَنَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ اكْتَسَبُوا مِنْهُ شَيْئًا مِنْ وَجْهِ حِلٍّ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ بِالْحُرْمَةِ وَتَحِلُّ مُعَامَلَتُهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ أَكْثَرُ مَا بِأَيْدِيهِمْ حَرَامًا وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهُمْ عَنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا ذَلِكَ الْمَوْرُوثُ فَإِنْ عُلِمَتْ عَيْنُ مَالِكِهِ وَبَقَاؤُهُ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ وَإِنْ فُقِدَ الْمَالِكُ أَوْ جُهِلَتْ عَيْنُهُ فَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْرُوثَةُ أَرْضًا فَزَرَعَهَا بِبَذْرِهِ حَلَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَوْ تَعَلَّقَتْ أُجْرَةُ الْأَرْض بِذِمَّتِهِ وَلِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ فِي ذَلِكَ إفْتَاءٌ فِيهِ التَّحْذِيرُ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ وَالتَّغْلِيظُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute