عَلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَرَعٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شِرَاءِ الْأَرِقَّاءِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْأَسْوَاقِ مَعَ عَدَمِ التَّخْمِيسِ كَيْفَ يَحِلُّ وَاحْتِمَالُ جَلْبِ كَافِرٍ لَهُمْ بَعِيدٌ وَلِلنَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ تَصْنِيفٌ بَيَّنُوا حَاصِلَهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ حَاصِلُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ غَنِيمَةٍ لَمْ تُخَمَّسْ وَلَمْ تُقَسَّمْ حَلَّ شِرَاؤُهُ لِأَنَّ طَرِيقَ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الرِّقُّ إثْرَ الْكُفْرِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْغَنِيمَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا أَخَذَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ قَهَرَ حَرْبِيًّا وَاسْتَرَقَّهُ وَلَوْ أَبَاهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسَ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ قَهَرَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ عَتَقَا عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُمَا كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى بِلَادِنَا مَلَكَهُ بِالْقَهْرِ.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ حَرْبِيٍّ شَرَاهُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ وَكَالْحَرْبِيِّ فِيمَا مَرَّ الذِّمِّيُّ فَمَا يَأْخُذُهُ الذِّمِّيُّونَ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ بِقِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُخَمَّسُ أَيْضًا فَمَتَى اُحْتُمِلَ كَوْنُ الرَّقِيقِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لَمْ يَحْرُمْ شِرَاؤُهُ وَلَا وَطْءُ الْأُنْثَى مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ شَرْعًا أَمَّا بِمَا مَرَّ أَوْ عَمَّنْ سَرَقَهَا عَلَى مَا يَأْتِي أَوْ بِشِرَائِهِ خُمْسَهَا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ أَوْ كُلَّهَا مِنْهُمْ إنْ كَانَتْ فَيْئًا أَوْ مِنْ الْغَانِمِينَ إنْ كَانَتْ غَنِيمَةً وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَوَرِّعِينَ إذَا أَرَادَ التَّسَرِّيَ بِجَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا ثَانِيًا مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَثَّلَهُ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى مَا فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا احْتِمَالُ بَقَاءِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ سَهْلٌ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْآخِذَ لَهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ بِسَرِقَةٍ أَوْ نَهْبٍ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ مِنْهُ قَبْلَ تَخْمِيسِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهِ حَتَّى فِي نَحْوِ الْمَسْرُوقِ.
وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ رَجَّحَ مُقَابِلَهُ مُرَجِّحُونَ وَاعْتَمَدَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَيْهِ يَحِلُّ شِرَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يُخَمِّس وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أُصُولُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ الْإِمَامُ مَنْ يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَقَوْلُ الْفَزَارِيّ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ بِحَالٍ وَلَا تَخْمِيسُهَا وَلَهُ أَنْ يُفَضِّلَ وَيَحْرِمَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ رَدَّهُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي تَصْنِيفِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ انْتَصَرَ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ وَتَعَالَى عَنْهُ قَوْلًا بِمِثْلِهِ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْأَمِيرَ إذَا قَالَ لَلْغَانِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ لَا بَعْدَهَا مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَهُوَ لَهُ صَحَّ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْغَانِمُونَ مُقَلِّدِينَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ فَهَلْ يَحِلُّ لِلشَّافِعِيِّ مَا دَامَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ الْأَوْجَهُ لَا لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مَالِكِينَ عِنْدَهُ فَإِنْ قَلَّدَ إمَامُهُمْ جَازَ فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهَا غَنِيمَةٌ لَمْ تُخَمَّسْ فَهَلْ لَهُ طَرِيقٌ إلَى تَمَلُّكِهَا قُلْتُ إنْ عُلِمْتَ عَيْنُ الْغَانِمِينَ فَلَا طَرِيقَ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا بِأَنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ فَهِيَ مَالٌ ضَائِعٌ وَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ فَلِمَنْ يَسْتَحِقُّ فِي خُمْسِ الْمَصَالِحِ شَيْئًا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِطَرِيقِ الظَّفْرِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قَالَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ.
لَوْ لَمْ يَدْفَعْ السُّلْطَانُ إلَى كُلِّ الْمُسْتَحَقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ قَالَ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي حِصَّتَهُ مِنْهُ حَبَّةً أَوْ دَانَقَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَهُوَ غُلُوٌّ وَالثَّانِي يَأْخُذُ قُوتَ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وَالثَّالِثُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَالرَّابِعُ يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ حَقُّهُ وَالْبَاقُونَ مَظْلُومُونَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُشْتَرَكًا كَالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ، هُنَا لَا يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ شَيْئًا وَهَذَا إذَا صُرِفَ إلَيْهِ مَا يَلِيقُ صَرْفُهُ إلَيْهِ اهـ فَتَقْرِيرُ النَّوَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى تَرْجِيحِ الرَّابِعِ لِكَوْنِهِ الْقِيَاسَ ظَاهِرٌ فِي اعْتِمَادِهِ لِذَلِكَ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ الْأَخْذِ ظَفْرًا سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ أَحْوَجُ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ أَمْ لَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ وَابْنُ جَمَاعَةَ حَيْثُ قَالَ فِي الْمَالِ الضَّائِعِ وَلِمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ إذَا عَدِمَ الْحَاكِمُ الْعَادِلُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِنَفْسِهِ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute