للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَيْ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَلِيقُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَبِالْجَوَازِ أَيْضًا صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا قِيَاسًا عَلَى مَالِ الْغَرِيمِ قَالَ بَلْ أَوْلَى وَنُقِلَ عَنْ مُحَقِّقِ عَصْرِهِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ مَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ أَيْضًا فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ قِيلَ الْجِزْيَةُ لِلْأَجْنَادِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ عَلَى قَوْلٍ وَقَدْ رَأَيْنَا جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ لَا يَتَوَرَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا مَعَ ظُهُورِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجُنْدَ قَدْ أَكَلُوا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ أَكْثَرَهَا فَيُؤْخَذُ مِنْ الْجِزْيَةِ مَا يَكُونُ قِصَاصًا بِبَعْضِ مَا أَخَذُوهُ وَأَكَلُوهُ فَتَصِيرُ كَمَسْأَلَةِ الظَّفْرِ اهـ فَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ إطْلَاقِ مَنْعِ الْأَخْذِ ظَفْرًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْآخِذُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ أَخَذَ فَوْقَ حَقِّهِ وَإِلَّا فَإِطْلَاقُهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ الْمَيْلَ إلَيْهِ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَظَفِرَ بِمَا هُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُهُ دِيَانَةً.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّنْ قَلَّدَ إمَامًا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَهَلْ لِمُقَلَّدِ مَنْ لَمْ يَرَ عَدَمَ سُقُوطِهَا الشِّرَاءُ مِنْهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَقِيدَتِهِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ رَأَى مُسْلِمًا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا فَاسِدًا فِي اعْتِقَادِهِ جَائِزًا فِي اعْتِقَادِ الْمُتَصَرِّفِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ بَاطِنًا.

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُقَلِّدْ ذَلِكَ الْإِمَامَ وَلَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِمَنْ أَطَالَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْمُعَامَلَاتِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ حِلَّ تَنَاوُلِهِ وَهُوَ حَيْثُ بَقِيَ عَلَى تَقْلِيدِ إمَامِهِ وَلَا حُكْمَ يَعْتَقِدُ عَدَمَ حِلِّ تَنَاوُلِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمَالِكُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَمُطَالَبَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ وَلَا نَظَرَ لِعَقِيدَةِ الْمُشْتَرِي.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا بَاعَهُ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدَهُ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ إتْيَانَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا أَوْ مَعَ عِلْمِهِمَا لَا أَحَدِهِمَا بِهِ صَحَّ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْعِلْمِ أَوْ الْجَهْلِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُمَا عَالِمَانِ وَالْآخَرُ أَنَّهُمَا جَاهِلَانِ صُدِّقَ مُدَّعِي الْجَهْلِ بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ جَهْلَهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا يَبْطُلُ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا وَأَنْتَ عَالِمَانِ فَقَالَ الْآخَرُ أَنَا عَالِمٌ وَأَنْتَ جَاهِلٌ صُدِّقَ الْأَوَّلُ نَظِيرَ مَا مَرَّ إذْ عِلْمُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَتِهِ فَصُدِّقَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا جَاهِلٌ وَأَنْتَ عَالِمٌ صُدِّقَ الثَّانِي كَمَا مَرَّ وَلَا تَخْرُجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مُدَّعِي الْفَسَادِ وَمُدَّعِي الصِّحَّةِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ إذْ الْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِيهمَا مُطْلَقًا لِمَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ دَعْوَاهُ الْعِلْمَ أَوْ الْجَهْلَ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ الرُّؤْيَةِ أَوْ عَدَمِهَا إذْ يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ.

وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حَيْثُ صَدَّقْنَا وَاحِدًا فِيمَا مَرَّ فَإِنَّمَا نُصَدِّقُهُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ عُلِمَ مِنْ حَالِ مُدَّعِي الْعِلْمِ أَوْ الْجَهْلِ خِلَافُ دَعْوَاهُ كَفَقِيهٍ حَاذِقٍ ادَّعَى الْجَهْلَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ وَكَقَرِيبِ عَهْدٍ بِتَعَلُّمٍ لِنَشْأَةٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ أَوْ بِإِسْلَامٍ ادَّعَى الْعِلْمَ بِذَلِكَ فَهَلْ يُصَدَّقُ حِينَئِذٍ مُدَّعِي الصِّحَّةِ أَوْ يُصَدَّقُ مَنْ سَاعَدَتْهُ شَوَاهِدُ الْحَالِ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ فِيمَا لَوْ ادَّعَى قِدَمَ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثَهُ وَالْعَادَةُ تَشْهَدُ بِخِلَافِهِ يُومِئُ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِي.

(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ إذَا حَكَرَ الْإِمَامُ فَيُعَزَّرُ مُخَالِفُهُ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا سَعَّرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ سِرًّا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ أَغْلَبِيَّةً إذْ لَمْ يَسْتَثْنُوا ذَلِكَ مِنْ طَرْدِهَا وَلَا مِنْ عَكْسِهَا لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِمُحَرَّمٍ لَمْ يَجِبْ امْتِثَالُهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>