مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ اعْتِمَادُهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى جَوَازَ التَّسْعِيرِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ وَلَوْ فِي السِّرِّ وَحَيْثُ لَا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِي الْجَهْرِ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ لَا فِي السِّرِّ لِأَنَّ أَمَرَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي اعْتِقَادِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُرْمَةٌ إلَّا فِي الْجَهْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخْشَى مِنْ عَدَمِ طَاعَتِهِ قِيَامُ الْفِتْنَةِ وَوُقُوعُ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ.
وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِمُحَرَّمٍ لَمْ يَجِبْ امْتِثَالُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِ بَلْ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُورِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُنَا وَهُوَ الْبَيْعُ بِثَمَنِ كَذَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَى الْمَأْمُورِ فَوَجَبَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ إذْ لَا حُرْمَةَ عَلَى الْمَأْمُورِ فِي امْتِثَالِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِمَكْرُوهٍ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَيَنْقَلِبُ الْفِعْلُ حِينَئِذٍ وَاجِبًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنْ قُلْتَ التَّحْكِيرُ إكْرَاهٌ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا بِثَمَنِ كَذَا وَشَرَطَ الْبَائِعُ الِاخْتِيَارَ فَكَانَ يَنْبَغِي بُطْلَانُ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ لَهُ هُوَ الْإِمَامَ قُلْتُ صُورَةُ الْإِكْرَاهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنْ يُقَالَ لِشَخْصٍ بِعْ كَذَا وَإِلَّا ضَرَبْتُكَ أَوْ نَحْوَهُ وَأَمَّا التَّحْكِيرُ هُنَا فَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا أَوْ بِثَمَنِ كَذَا حَتْمًا بَلْ الْمُرَادُ إذَا أَوْقَعْتَهُ بِاخْتِيَارِكَ يَكُونُ بِثَمَنِ كَذَا فَلَيْسَ فِيهِ إجْبَارٌ عَلَى بَيْعِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ عَلَى ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ إذَا اخْتَارَ إيقَاعَ الْبَيْعِ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ وَوَلَدِهَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ بِالسَّفَرِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ لِإِمْكَانِ صُحْبَتِهَا لَهُ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِمَادُهُ وَيَشْهَدُ لِلْحُرْمَةِ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الْمُتَزَوِّجَةَ بِغَيْرِهِ وَالْمُطَلَّقَةَ الْعَاجِزَةَ عَنْ السَّفَرِ لِعِلَّةٍ أَوْ فَقْرٍ كَاَلَّتِي فِي عِصْمَتِهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُرْمَةِ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ أَوْ الْقَصِيرِ وَلَا بَيْنَ سَفَرِ النَّقْلَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ قَرِيبٌ إذْ يَلْزَمُهُ فِي سَفَرِ النَّقْلَةِ السَّفَرُ بِزَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا وَأَنَّهُ يَجُوزُ السَّفَرُ بِابْنِ الْمُطَلَّقَةِ الْقَادِرَةِ عَلَى السَّفَرِ وَإِنْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لَهَا وَلَوْ كَانَ غَيْرَ سَفَرِ نَقْلَةٍ وَهُوَ قَرِيبٌ أَيْضًا.
(وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا قَالَ بِعْ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ لَا يَصِحُّ فَهَلْ مِثْلُهُ الشِّرَاءُ وَالْوَلِيُّ وَعَامِلُ الْقِرَاضِ كَالْوَكِيلِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا قَالَاهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ بَيْعِهِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى بَعْضِهِ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ وَإِنْ فُرِضَ فِيهِ غِبْطَةٌ اهـ. وَهُوَ شَامِلٌ لِكَلَامِهِمَا وَلِمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْوَلِيَّ وَعَامِلَ الْقِرَاضِ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ بِقَوَاعِدِ بَابِ الْقِرَاضِ وَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ الْجَوَازُ إذَا كَانَ هُنَاكَ غِبْطَةٌ بَلْ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ وَوُقُوعُ ضَرَرِ التَّبْعِيضِ مُتَوَهَّمٌ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مُتَكَلِّمٍ عَلَى أَيْتَامٍ بِإِقَامَةٍ مِنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ حِصَّةٌ مِنْ دَارٍ عَامِرَةٍ قَائِمَةٍ عَلَى أُصُولِهَا فَبَاعَ الْقَيِّمُ الْمَذْكُورُ الْحِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَسَلَّمَ ثَمَنَهَا فِي حِصَّةٍ مِنْ خَرِبَةٍ دَائِرَةٍ لَا نَفْعَ بِهَا اشْتَرَاهَا لِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ عِوَضًا عَنْ الْحِصَّةِ الْعَامِرَةِ الْمَبِيعَةِ وَذَكَرَ الْمُوَرِّقُ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ أَنَّ الْقَيِّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْحَظِّ وَالْمُصْلِحَةِ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتَا لَدَى حَاكِمٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُوَرِّقُ أَيْضًا أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُشْتَرَى مِنْهَا الْحِصَّةُ مُلَاصِقَةٌ لِدَارِ التَّمْحَانِيِّ وَأَنَّهَا مُخَلَّفَةٌ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُلَاصِقَةَ لِلدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَتْ مُخَلَّفَةً عَنْ هِبَةِ اللَّهِ وَلَا مَلَكهَا قَطُّ وَإِنَّمَا هِيَ لِشَخْصٍ آخَرَ وَاضِعِ يَدٍ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُخَلَّفَةَ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ مُلَاصِقَةٌ لِهَذِهِ الْخَرِبَةِ الْجَارِيَةِ فِي مِلْكِ الشَّخْصِ الْآخَرِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ وَثَبَتَ الْعَقْدَانِ الْمَذْكُورَانِ لَدَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ مُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَيِّمِ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْحَظَّ وَالْمَصْلَحَةَ كَافِيًا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِمَا لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَهَلْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُوَرِّقِ أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُبْتَاعَ مِنْهَا الْحِصَّةُ مُلَاصِقَةٌ لِدَارِ التَّمْحَانِيِّ وَأَنَّهَا مُخَلَّفَةٌ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ وَالْحَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ يَقْتَضِي فَسَادَ عَقْدِ الشِّرَاءِ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute