للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ الْقَرِينَةِ صَرِيحٌ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُشْبِهُ أَنَّهُ كِتَابَةٌ وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِمَا لَوْ قَالَ دَارِي لِزَيْدٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ إلَّا إنْ قَصَدَ بِالْإِضَافَةِ كَوْنَهَا مَعْرُوفَةً بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي التَّأْيِيدِ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى تَأْيِيدُهُ بِأَنَّ الصَّرَاحَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْقَرَائِنِ كَمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ الِاشْتِهَارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَكَالْقَرِينَةِ نِيَّةُ الِالْتِزَامِ كَمَا أَخَذَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِمَّا لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أُطَلِّقُ وَأَرَادَتْ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ حَالًا وَلَا يُنَافِيه الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ لِلْحَالِ أَيْ: لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا فِي الْمَحَلَّيْنِ الْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالشَّرْطِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَغْرَمَ أَوْ نَحْوَهُ كَعَلَى أَنْ أَغْرَمُ وَكَذَا لَوْ قَالَ وَأَغْرَمُ أَنَا وَنَوَى بِهِ الشَّرْطَ وَوَافَقَهُ الْآخَرُ " وَإِلَّا صُدِّقَ " مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَأَنَّ قِيَامَ الْقَرِينَةِ كَنِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ وَبِهَذَا كُلِّهِ يُعْلَمُ رَدُّ إطْلَاقِ قَوْلِ السَّائِلِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْكَفَالَةِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ. إلَخْ.

فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقَرَّرَ فِي الْكَفَالَةِ وَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ قُلْت: الْفَرْقُ هُنَا نَظِيرُ مَا مَرَّ أَنَّ إيقَاعَ وَتَحْصُدُهُ فِي صُلْبِ عَقْدٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ صَيَّرَهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الصِّيغَةِ فَآثَرَ فَسَادَهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ فَلَيْسَ فِيهِمَا عَقْدٌ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرَفِ الْكَفِيلِ أَوْ الضَّامِنِ فَقَطْ فَاغْتَفَرُوا فِيهِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَر وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْكَفَالَةَ أَشْبَهَتْ الرَّهْنَ وَبَيْعَ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيمَا مَرَّ فِيهِمَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا لَفْظٌ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ فَتَقَارَبَتْ أَحْكَامُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ فِيهِ لَفْظَيْنِ مِنْ طَرَفَيْنِ فَكَانَ وُقُوعُ نَحْوِ اُحْصُدْهُ بَيْنهمَا قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ لِلشَّرْطِ فَأَبْطَلَهُ لِمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهِ وَتَحْرِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَأَنْ وَقَفَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ مِنْ رِيعِهِ وَلَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ كَأَنْ وَقَفَ عَيْنًا بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا.

ثُمَّ قُلْت: وَقَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ: دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ إخْبَارٌ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ ثُمَّ قُلْت: مَا حَاصِلُهُ وَيَتْبَعُ شَرْطَهُ فِي نَظَرٍ عَلَى الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا يَتْبَعُ فِي مَصَارِفِهِ وَحَيْثُ شَرَطَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ حَالَ الْوَقْفِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلٌ مِنْ شَرْطِ نَظَرِهِ حَالَ الْوَقْفِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ وَلَا نَظَرَ لِتَفْوِيضِ النَّظَرِ أَوْ التَّدْرِيسِ حَالَةَ الْوَقْفِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِعَدَمِ صِيغَةِ الشَّرْطِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ حَيْثُ أَلْحَقَهُ بِالشَّرْطِ وَلَا فَرْقَ فِي الشَّرْطِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ وَقَفْتُ وَشَرَطْت أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ مُدَرِّسًا أَوْ وَقَفْت بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدَرِّسًا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ كَالْإِسْنَوِيِّ الثَّانِي بِأَنَّ زَيْدًا قَدْ يَقْبَلُ وَقَدْ لَا يَقْبَلُ فَتَكُونُ الصِّيغَةُ مُفْسِدَة لِأَصْلِ الْوَقْفِ مِنْ أَجْلِ التَّعْلِيقِ مَرْدُودٍ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي بِشَرْطِهِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ وَقْفًا مُلْتَبِسًا بِهَذَا الشَّرْطِ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ لَا لِلتَّعْلِيقِ وَفَارَقَ وَقَفْت وَشَرَطْت وَفَوَّضْت بِأَنَّ فَوَّضْت جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُولَى.

فَكَانَتْ وَاقِعَةً بَعْدَ لُزُومِ الْأُولَى لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِالْآخَرِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ التَّفْوِيضِ الْوَاقِعِ حَالَ الْوَقْفِ وَبَعْدَهُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ وَقَفْت وَشَرَطْت لِأَنَّ شَرَطْت مِنْ تَتِمَّاتِ مَا قَبْلهَا أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَصْدَ تَقْيِيدُهُ بِمَا فِي حَيِّزِهَا وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ مَا يَقَعُ تَقْيِيدًا لِمَا قَبْلَهُ وَمَا يَقَعُ مُقَيِّدًا لِمَا قَبْلَهُ فَكَانَتْ أَيْ شُرِطَتْ مُقَيِّدَةً لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهَا قَالَ السُّبْكِيّ وَمُوَرِّقُو كُتُبِ الْأَوْقَافِ تَارَةً يَقُولُونَ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَتَارَةً يَقُولُونَ وَجَعَلَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَيَفْهَمُونَ مِنْهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي ضِمْنِ الْكِتَابِ وَيُشْهِد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَبَعْد تَمَامِ الْوَقْفِ وَجَعَلَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ أَوْ شَرَطَهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَى صِفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الْجُعْلِ أَوْ التَّفْوِيضِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَ جَمِيعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الَّذِي أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ.

بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْرَدَ الْوَقْفَ وَحْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الشُّرُوطَ مُتَرَاخِيَةً أَوْ مُتَعَاقِبَةً فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَلَا تَصِحُّ وَفِي إطْلَاقِهِ ذَلِكَ نَظَرٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>