للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُتَلَقَّى مِمَّا مَرَّ فِي وَقَفْت وَشَرَطْت وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي عِبَارَاتِ الْأَوْقَافِ الْمُحْتَمَلَةِ لِصُدُورِهَا مِنْ الْوَاقِفِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ لَهَا بِمَا ذُكِرَ وَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ الْمُحَقِّقِ فَعَمَل بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ الْغَرَضُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ سَائِرَ شُرُوطِ الْوَاقِفِ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا إنْ كَانَتْ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ مُرَادِفِهِ كَوَقَفْت كَذَا عَلَى أَنْ آكُلَ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنْ أَكُونَ نَاظِرَهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ شَرْطٍ وَلَا مُرَادِفِهِ وَلَا أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْبُطْلَانِ وَلَا فِي الصِّحَّةِ.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ مَا إذَا أَتَى بِصِيغَةِ إخْبَارٍ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَغَيْرَهُ مِمَّا ذُكِرَ الْمَعْلُومُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْت كَذَا وَلِيَ النَّظَرُ لَا يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ لِأَنَّهُ ذُكِرَ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ بِشَيْءٍ نَعَمْ إنْ نَوَى بِهِ الِاشْتِرَاطَ احْتَمَلَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي كَلَامِهِمْ فِي الضَّمَانِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَمَلَ الْفَرْقَ بِأَنَّهُ بِتَمَامِ قَوْلِهِ وَقَفْت انْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ بِوَجْهٍ حَتَّى يُقْبَلَ قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ الشَّرْطِيَّةَ وَهَذَا أَقْرَبُ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ فِي الْوَقْفِ وَمَا قَبْلَهُ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَبْوَابَ لَهَا مَلَاحِظُ مُخْتَلِفَةٌ يَحْتَاجُ إدْرَاكُهَا إلَى مَزِيدِ تَأَمُّلٍ وَمُرَاجَعَةٍ لِمَدَارِكِهِمْ وَعِلَلِهِمْ وَمَحَطِّ نَظَرِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَإِنْ تَرَدَّدَ السَّائِلُ بَيْنَ الْعَقْدِ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ فَيَلْزَمُ مَا اتَّصَلَ بِصِيغَةِ عَقْدِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ أَطَالَ الْفَصْلَ بِرَدِّهِ مَا تَقَرَّرَ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ بِمَا اتَّصَلَ بِعَقْدِهِ كَمَا تَقَرَّرَ عَنْ السُّبْكِيّ

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَا حُكْمُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ مِلِيبَارَ فِي الْبَيْعِ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ بَيْعًا إلَّا بِهَا فَهَلْ يُعَامَلُ ذَلِكَ مُعَامَلَةَ لَفْظِ الْبَيْعِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْبَيْعِ صَرِيحَةً فِيهِ أَصْلًا وَكَذَا لَا تَكُونُ كِنَايَةً فِيهِ إلَّا إنْ احْتَمَلَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً لِعَقْدٍ آخَرَ يَجِدُ نَفَاذًا لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَلَوْ بَيَّنَ السَّائِل تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لَكَانَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا أَظْهَرَ مِنْهُ عَلَيْهَا إجْمَالًا إذْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ فَإِنَّ السَّائِلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْزِلَ هَذَا الْإِجْمَالَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ إلَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ عِلْمِيَّةٌ يَهْتَدِي بِهَا إلَى حَقَائِقِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَحَقَائِقِ فَهْمِ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ فِي نَظَائِرِهَا أَوْ فِي مُرَادَفَاتِهَا.

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّهُ إلَّا لَمْ يُجَدِّدْ عَقَدًا فَلَا بَيْعَ وَلَا ثَمَنَ وَإِنْ جَدَّدَ لَمْ تَكُنْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ هُنَا عَلَى التَّرَاضِي لِيَقُومَ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَالْجَوَابُ إنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِالْمُعَاطَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَلَامُهُمْ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ يَدْفَعُهُ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَجْلِسًا وَزَمَنًا مَا بَقِيَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَيَجْعَلُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الزَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ حَرِيمِهِ وَلِذَا كَانَ اشْتِرَاطُ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ فِي صُلْبِهِ إذْ حَرِيمُ الشَّيْءِ مُلْحَقٌ بِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَزِيَادَةُ أَحَدِهِمَا فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ مَعَ رِضَا الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الزِّيَادَةِ الْوَاقِعَةِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فِي لُزُومِهَا مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ عَقْدٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَرِيمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ.

وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ هُنَا إلَيَّ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَلَا انْعِقَادَ هُنَا بِمُعَاطَاةٍ وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ زَمَنَ جَوَازِ الْعَقْدِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ زَمَنِهِ فِيمَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِجَامِعِ عَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ فَكَمَا أَنَّ لِلْمُوجِبِ بَعْدَ إيجَابِهِ أَنْ يُزِيدَ وَيُنْقِصَ وَيَكُون الْقَبُولُ لِهَذَا الْأَخِيرِ دُونَ الْأَوَّلِ لِنَسْخِهِ بِهِ فَكَذَلِكَ لِكُلِّ مَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ لُزُومِهِ إلْحَاق الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ إنْ رَضِيَ الْآخَرُ وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ لَفْظِ الزِّيَادَةِ مَعَ الرِّضَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>