حَتَّى يَقْضِيَ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَصْرِفَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَإِنْ أَخَذَهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ لِيَصْرِفَهُ إلَى مُسْتَحَقِّهِ بَرِيءَ بِقَبْضِ الْإِمَامِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ضَمَانِ الْمُكُوسِ وَالْخَمْرِ وَالْبَغَايَا وَكُلِّ جِهَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَجَمِيعِ مَا يُحْدِثُهُ الظَّلَمَةُ مِنْ الْمَظَالِمِ اهـ.
جَوَابُهُ وَقَدْ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ وَفِيهِ أُمُورٌ أَحَدُهَا مَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْ الْجَوَابِ قَيْدًا ذَكَرَهُ فِي التَّأْلِيفِ وَهُوَ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَرْجُو لِدَيْنِهِ وَفَاءً وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ إطْلَاقَ الْمُفْتِي الْجَوَابَ عَنْ الْقُيُودِ أَيْ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِخُصُوصِهِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَطُولُ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ خَطَأٌ مِنْهُ وَلَك أَنْ تُجِيبَ عَنْ هَذَا أَنَّا نَبْحَثُ أَوَّلًا عَنْ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِمْ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً لِيَظْهَرَ صِحَّةُ حَذْفِهِ أَوْ عَدَمُهَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الِاقْتِرَاضِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْهَا حَالًا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ ثُمَّ رَأَيْت شَرْحَ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرَهُ صَرَّحُوا بِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فَمَنْ لَهُ ذَلِكَ لَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حَيْثُ وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالْمَدِينِ الَّذِي لَا يَرْجُو وَفَاءً وَمَنْ عَبَّرَ بِالْمُفْلِسِ مُؤَدَّى عِبَارَتِهِمَا وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ مَدْلُولُهُمَا وَاحِدٌ اصْطِلَاحًا وَهَذَا أَعْنِي مَنْ لَا يَرْجُو وَفَاءً الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كَلَامِهِمْ بِالْمُفْلِسِ هُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ بَيْننَا وَبَيْنَ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فَإِنْ قُلْت لَا أُسَلِّمُ تَرَادُفَهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً يُفِيدُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ إلَّا إنْ انْتَفَى عَنْهُ سَائِرُ وُجُوهِ الرَّجَاءِ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَهَذَا غَيْرُ الْمُفْلِسِ
لِأَنَّهُ مَنْ زَادَ دَيْنُهُ عَلَى مَالِهِ وَإِنْ رَجَا وَفَاءَهُ عَلَى بُعْدٍ قُلْت يَتَّضِحُ مَا يَلْزَمُك بِالتَّسْلِيمِ بِسَوْقِ عِبَارَةِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهَا وَعِبَارَتُهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يُكْرَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ لَا يُسْتَحَبُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقُ انْتَهَتْ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْغَزَالِيَّ وَغَيْرَهُ قَيَّدُوا الْجِهَةَ الْمَرْجُوَّ مِنْهَا الْوَفَاءُ بِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً وَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ تَعْبِيرَ الْمَجْمُوعِ بِغَلَبَةِ ظَنِّ الْحُصُولِ مِنْ جِهَةٍ يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي يَدِهِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ لَوْ تَصَدَّقَ مِنْهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَيَسَّر لَهُ بَدَلُهُ لِعَدَمِ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ لَهُ يَأْتِي إلَيْهِ مِنْهَا ذَلِكَ حَالًا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَرْجُو وَفَاءَ الدَّيْنِ لَوْ تَصَدَّقَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِذَا اتَّضَحَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ اتَّضَحَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي تَفْسِيرِهِ السَّابِقِ وَمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ مُرَادِفٌ لِلْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ الَّذِي زَادَ دَيْنُهُ عَلَى مَالِهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُوَفِّي مِنْهَا حَالًا فِي الْحَالِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ حَالًا فِي الْحَالِ كَالْمَنَافِعِ وَالْمَالِ الْغَائِبِ وَالْمَغْصُوبِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَقَرُّوهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِتُسَلِّمَ لَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُعَانِدًا وَقَوْلِي فِي الْمُفْلِسِ زَادَ دَيْنُهُ عَلَى مَالِهِ قَيْدٌ لِمَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لَا لِمَنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ فَإِنَّ هَذَا يَعُمُّ الْمُسَاوِيَ لِأَنَّهُ بِالصَّدَقَةِ وَلَا جِهَةَ ظَاهِرَةٌ يُفَوِّتُ حَقَّ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ
نَعَمْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ إذَا سَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ أُجِيبُوا وَإِنْ سَاوَى مَالُهُ دَيْنَهُ كَسُوبًا كَانَ أَوْ لَا لَكِنَّ هَذَا الْحَجْرَ حِينَئِذٍ لَيْسَ لِلْفَلَسِ وَبَعْدَ أَنْ بَانَ ذَلِكَ وَتَقَرَّرَ فَلْنَرْجِعْ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ حَذْفِ الْمُفْتِي لِهَذَا الْقَيْدِ فَنَقُولُ قَدْ يَدَّعِي وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لَكِنْ يَخْدِشُهُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ إنَّمَا هُوَ لِلْعَامَّةِ غَالِبًا وَأَنَّى لَهُمْ بِعِلْمِ هَذَا الْقَيْدِ وَمَا يُقَارِبُهُ وَلَوْ عَكَسَ ذَلِكَ بِأَنْ حَذَفَ مِنْ التَّأْلِيفِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ الْقَيْدَ فَلَا يَحْتَاجُونَ لِذَكَرِهِ وَالْإِفْتَاءُ لِلْعَامَّةِ كَمَا مَرَّ وَهُمْ جَاهِلُونَ بِهِ فَيُضْطَرُّونَ لِذِكْرِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُؤْخَذُ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ حِيلَةً لِئَلَّا يَحْصُلَ لِأَهْلِ الدُّيُونِ شَيْءٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute