للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَاءُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ بِلَا خِلَافٍ لِتَحْرِيمِ السَّرَفِ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا) اهـ.

فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ جَائِزَةٌ فِي الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ، وَإِذَا جَازَ هَاتَانِ جَازَتْ كُلُّ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ، وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ.

وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِهِ حَيْثُ أَدْرَجُوا فِي الطَّهَارَةِ الطَّهَارَةَ الْمَسْنُونَةَ كَالْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى طَهَارَةً لُغَةً وَشَرْعًا، وَقَوْلُ الْوَاقِفِ لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا يَشْمَلُ كُلَّ طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ فَنَزَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِمَا نَعَمْ لَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةٌ فِي زَمَنِهِ بِشَيْءٍ وَعَرَفَ تِلْكَ الْعَادَةَ نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَرَفَهَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ: (وَالرُّبُطُ الَّتِي يُسَاقُ إلَيْهَا الْمَاءُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ نَابِعًا مِنْ الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْتَقِي مِنْ مَاءٍ مَمْلُوكٍ يُبَاحُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهُ أَوْ مُبَاحٌ أَبَاحَهُ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ.

وَقَوْلُهُ: (لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا) صَرَّحَ فِي الْمَنْعِ مَنْ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِ مَسْجِدِ كَذَا، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ مَا لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ عُرْفًا لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقْصِدُ التَّطَهُّرَ بِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيُشَوِّشُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ.

وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ فِيهِ أَوْ فِي مَحَلٍّ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا عَادَةَ بِشَرْطِهَا السَّابِقِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ اقْتَضَتْ جَوَازَ النَّقْلِ مُطْلَقًا أَوْ لِمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ جَازَ النَّقْلُ بِحَسَبِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِعَادَةٍ لَمْ تَطَّرِدْ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَحَيْثُ جَازَ نَقْلُهُ لِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نَبَاتِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لِدَوَاءٍ أَوْ عَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إلَّا بَعْدَ وُجُودِ نَحْوِ الْمَرَضِ أَوْ الْحَيَوَانِ عِنْدَهُ لَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِضَرُورَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، فَكَذَلِكَ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ إنَّمَا جَازَ لِضَرُورَةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ تَحِقَّ ضَرُورَتُهُ إلَيْهِ، وَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ أَكْثَرِ مِنْ كِفَايَةِ طَهَارَتِهِ الَّتِي يُرِيدُهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَدَّخِرَهُ إلَى طَهَارَةٍ أُخْرَى، لَكُنَّا قَدْ جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ هَذَا الزَّائِدِ قَبْلَ أَنْ تُحَقَّقَ ضَرُورَتُهُ إلَيْهِ.

فَإِنْ قُلْت: النَّبَاتُ الْحَرَمِيُّ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ مَثَلًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ، قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سَبَبَ جَوَازِهِ الْأَخْذُ لِلْمَرَضِ وَالِاضْطِرَارِ، وَبَعْدَ وُقُوعِهِ الْأَصْلُ دَوَامُهُ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْأَخْذُ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ كُلَّ طَهَارَةٍ لَهَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ لِطَهَارَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا لَكُنَّا جَوَّزْنَا لَهُ تَقْدِيمَ الْأَخْذِ عَلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت فِي الْخَادِمِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ نَقْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِوَاحِدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ، وَلَا صَرْفُهُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ النَّقْلِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: بِمَسْجِدِ كَذَا، فَوَجَبَ اتِّبَاعُ تَقْيِيدِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ.

وَشَرْطُهُ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ بِخِلَافِ الْمُسَبَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبَّادِيِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فَأَمْكَنَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَقُولَ فِيهِ مَا ذُكِرَ. عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ هُوَ مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْمُسَبَّلِ تَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ رِفْقَ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ بِمَا سَبَّلَهُ فِيهَا، وَالْقَرَائِنُ لَهَا أَثَرٌ بَيِّنٌ فِي ذَلِكَ فَعَمِلَ بِهَا قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاحَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحَلَّةِ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعُهُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبِّلُ أَهْلَهُ بِذَلِكَ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ فَإِنْ قُلْت: الْقِيَاسُ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَشْمَلُ إلَّا الْوَاجِبَةَ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَقَرُّوهُ مِنْ أَنَّ مَا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ لَا يُعْطَى مِنْهُ الْمَيِّتُ إلَّا ثَوْبٌ سَابِغٌ وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَثْوَابِ الْمُسْتَحْسَنَةِ الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ الْمَحْفُوظِ فِي نَظِيرِهِ اهـ.

قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ ثَمَّ وَهُوَ التَّطْهِيرُ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ لُغَةً وَشَرْعًا كَمَا مَرَّ فَحُمِلَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ التَّكْفِينِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَيْهِمَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ شُمُولٌ لِلزَّائِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>