للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالِاسْتِصْحَابِ قِيلَ: بِعَدَمِ نَدْبِهِ، وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ مَا اُخْتُلِفَ فِي مَطْلُوبِيَّتِهِ وَمَا اُتُّفِقَ عَلَى مَطْلُوبِيَّتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُهُمْ أَطْلَقُوا نَدْبَ الِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّهُمْ وَكَلُوهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ قَبْلُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَاهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِعْلَهُمَا وَلَمْ يَنْغَسِلْ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ اسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ عِنْدَهُمَا كَغَيْرِهِمَا وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَنْغَسِلُ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ تُرِكَ الِاسْتِصْحَابُ عِنْدَهُمَا

مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ

حُصُولِهِمَا الْآكَدِ مِنْ حُصُولِ الِاسْتِصْحَابِ كَمَا تَقَرَّرَ.

(سُئِلَ) - فُسِّحَ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ هَجَمَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَوَضَّأَ بِأَحَدِ الْمُشْتَبِهَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَطْعًا وَلَا وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَمَا وَجْهُ الْقَطْعِ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ يُقَالُ وَجْهُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ أَعْلَى مَا طُلِبَ لَهُ الْوُضُوءُ؛ فَلِذَلِكَ اُحْتِيطَ فِي أَمْرِهَا وَلَمْ يُقَلْ بِإِبَاحَتِهَا بِهَذَا الْوُضُوءِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ خَلَلٍ فِي شَرْطِهِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ وَإِبَاحَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مَثَلًا إبَاحَتُهُ لِلصَّلَاةِ؛ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا لَا يَكْتَفِي فِي إبَاحَتِهَا إلَّا بِوُضُوءٍ بِمَاءٍ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ، أَوْ مَظْنُونِهَا وَلَمْ يُوجَدْ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ هَلْ يُنْوَى بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ التَّجْدِيدُ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَلَامٌ فِيهِ حَقِّقُوهُ نَفَعَ اللَّهُ بِكُمْ آمِينَ.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مُوَضَّحَةً وَعِبَارَتُهُ (وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ فَلَا يَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَلَا يُقَاسُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ.

وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَ لَهَا إلَّا هَذِهِ النِّيَّةُ فَاعْتُبِرَتْ فِي الْعَادَةِ لِتَحْكِيمِهَا، وَهَذَا الْوُضُوءُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي هَاتَيْنِ الْكَيْفِيَّتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّعَرُّضِ لَهُمَا لِإِمْكَانِ الْمُحَاكَاةِ بِغَيْرِهِمَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِيمَا لَوْ نَذَرَ التَّجْدِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ هُنَا أَيْضًا) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةُ، وَفِيهَا تَحْقِيقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَبَيَانُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَرَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ الْعِمَادِ: (وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ بِبَعِيدِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّجْدِيدِ أَنْ يُعِيدَ الشَّيْءَ بِصِفَتِهِ الْأُولَى وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَجْدِيدًا.

وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْأُولَى إلَّا مُطْلَقُ نِيَّةٍ تُجْزِئُ فِي الْأَوَّلِ لَا خُصُوصَ نِيَّةِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهَا إذَا كَانَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ كَيْفِيَّاتٌ يَصِحُّ صِدْقُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْعَادَةِ لَوَجَبَ عَلَى نَاوِيهَا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا حَقِيقَةَ الْفَرْضِ وَإِلَّا كَانَ مُتَلَاعِبًا بَلْ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا صُورَةَ الْفَرْضِ أَوْ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْجُمْلَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ صِفَةَ النِّيَّةِ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِعَادَةِ فَكَمَا أَنَّهُ هُنَا أَتَى بِنِيَّةٍ مُغَايِرَةٍ لِصِفَةِ نِيَّةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ فِي الْأُولَى حَقِيقَتُهُ وَفِي الْمُعَادَةِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ، فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِذَا نَوَى فِي الْأَوَّلِ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نِيَّةَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَرَادَ التَّجْدِيدَ قُلْنَا: يَلْزَمُك نِيَّةٌ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْأُخَرِ غَيْرِ هَاتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ نِيَّتُك وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ صِدْقِهِمَا إذْ لَا رَفْعَ حِينَئِذٍ وَلَا اسْتِبَاحَةَ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَاصِدًا بِهِمَا الْمُحَاكَاةَ وَالصُّورَةَ قُلْت: إنَّمَا أَتَى بِالْفَرْضِ فِي الْمُعَادَةِ قَاصِدًا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ فِي الْمُحَاكَاةِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَهُنَا أَنَّهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الْمُحَاكَاةِ عَنْ هَذَيْنِ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمَا وَلَا إلَى تَأْوِيلِهِمَا عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّخْرِيجِ عَلَى حُكْمٍ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، أَوْ الْحُكْمُ فِيهِ أَظْهَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَتِمَّ لِابْنِ الْعِمَادِ التَّخْرِيجُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَنْ يَسْتَقِي كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الْمَاءِ لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا هَلْ يَجُوزُ التَّجْدِيدُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ غُسْلٍ مَسْنُونٍ أَوْ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: (إنَّ الْمَاءَ الْمَوْقُوفَ يَحْرُمُ الزِّيَادَةُ مِنْهُ عَلَى الثَّلَاثِ.

وَقَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ كَرَاهَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ أَوْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ كَمَاءِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ الَّتِي يُسَاقُ إلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>