للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَرَامٌ فَهُوَ عَاجِزٌ شَرْعًا وَهُوَ كَالْعَاجِزِ حِسًّا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالثَّانِي يَصِحَّانِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمَنْعُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ هَذَا وَقَالَ: الْأَوَّلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ كَمَا لَوْ وَجَبَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَهَا لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ وَهَبَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْنَا تَصْحِيحَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ يُشْبِهَانِ مَا لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِلْوَالِي شَيْئًا تَطَوُّعًا عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ هَلْ يَمْلِكُهُ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْمِلْكَ لِلْمَعْصِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ وَقَالَ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ حِكَايَةً عَنْ الشَّاشِيِّ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَجِد صُورَتَهُ عَيْن صُورَةِ السُّؤَالِ السَّابِقَةِ الَّتِي هِيَ فَيُطَالِبُهُمْ أَهْلُ الدُّيُونِ فَيُبَادِرُونَ وَيَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ مَعَ هَذَا الِاتِّحَادِ الْوَاضِحِ جِدًّا يُقَالُ إنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا فِيهِ فِيمَنْ يَرْجُو وَفَاءً وَمَا فِي السُّؤَالِ فِيمَنْ لَا يَرْجُوَا وَفَاءً قُلْنَا هَذَا تَحَكُّمٌ قَبِيحٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا الْقَيْدِ فَرِعَايَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَالصَّوَابُ أَنَّ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالسُّؤَالِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ بِالْهِبَةِ فِيهِمَا عَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لِمَالِهِ وَأَنَّهُ طُولِبَ بِهَا فَبَادَرَ وَتَصَرَّفَ فِيهَا بِتَبَرُّعٍ كَهِبَةٍ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا يَأْتِي.

(خَامِسُهَا) قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَنْظُورٌ فِيهِ إلَخْ قَدْ بَيَّنَ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَنَا وَسَعْيَهُ فِي تَأْلِيفِهِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّاشِيِّ وَكَمَا لَوْ وَهَبَ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ إلَخْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي تَقْرِيرِهِ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ مَا صَحَّحْنَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ يَمْلِكُ عَبْدًا فَوَهَبَهُ أَوْ طُولِبَ بِدَيْنٍ فَوَهَبَ مَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُنَا اهـ.

ثُمَّ رَدَّ كَلَامَ الْإِسْنَوِيُّ بِأُمُورٍ أُخْرَى فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّ صَنِيعَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرٌ فِي اعْتِمَادِ الْأَوَّلِ وَتَعْلِيلِهِ وَفِي تَزْيِيفِ الثَّانِي وَتَعْلِيلِهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَعَدَمِ الْجَوَابِ عَنْهُ وَكَثِيرًا مَا يُمْنَعُ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قِيَاسُ الْآخَرِ وَلَا يُسَلِّمُهُ وَكُتُبُ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ مَمْلُوءَةٌ بِذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي تَوْشِيحِهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ تَقْرِيرًا حَسَنًا.

ثَانِيهَا أَنَّهُ اكْتَفَى بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّصَدُّقِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِدَيْنِهِ لَا نُطَابِقُ تَعْلِيلَ الْأَوَّلِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ حُرْمَةُ التَّسْلِيمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَأْخَذُ ابْن الرِّفْعَةِ الْآتِي فِي تَخْرِيجِ مَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى مَا هُنَا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِمُخَالَفَتِهِ بَلْ بَحَثَ مَعَهُ فِي التَّوَسُّطِ وَغَيْرِهِ الْجَزْمَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَفَرَّقَ بِمَا حَاصِلُهُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَتَوَجُّهُ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ بَدَلٌ وَلِهَذَا يَبْقَى لِلْمُكَفِّرِ خَادِمٌ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ قَالُوا لِأَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ ثَالِثُهَا أَنَّ النَّشَائِيَّ فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّوَوِيَّ فِي التَّحْقِيقِ حَذَفَا مَسْأَلَةَ الْمَدِينِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا الشَّاشِيُّ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا يَتَعَرَّضَانِ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَمَدًا عِنْدَ النَّوَوِيِّ لَمَا حَذَفَاهُ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَتَهُمَا وَأَنَّ الْجَوَاهِرَ حَذَفَتْهُ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فَحَذْفُ أَصْحَابِ هَذِهِ الْمُتُونِ لَهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا عَنْ النَّوَوِيِّ تَزْيِيفَهَا ثُمَّ قَالَ رَابِعُهَا وَهُوَ الْفَيْصَلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي أَوَائِلِ الْحَجْرِ مَا لَفْظُهُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَجْرِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَتَطَهَّرُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهَكَذَا قِيَاسُ السُّتْرَةِ وَنَحْوِهَا كَاَلَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ وَالْمُصْحَفِ الَّذِي يَقْرَأُ مِنْهُ غَيْرُ الْحَافِظِ. الثَّلَاثُونَ إذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَانَ فِي مِلْكِهِ مَا يُكَفِّرُ بِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِهِ فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ امْتِنَاعُ تَصَرُّفِهِ فِيهِ وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ نَقْلُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>