للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ نَظَرٌ اهـ.

قُلْت وَنَسَبَهُ الْفَتَى إلَى أَنَّهُ نَسِيَ مَا سَبَقَ عَنْهُ فِي التَّيَمُّم وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ هُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ قِيَاس هِبَةِ الْمَاءِ وَاَلَّذِي سَبَقَ مِنْهُ فِي التَّيَمُّمِ صَدَرَ مِنْهُ لِغَرَضِ الْمُنَاقَضَةِ لَا لِلتَّحْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَجْرِ وَجَعَلَهُ الْقِيَاسَ وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ وَفَرَّقَ فِي التَّيَمُّم بِمَا حَاصِلُهُ تَعَيُّنُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّةٍ وَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الدَّائِنُ وَنَظَرَ فِيهِ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ وَقَالَ إنَّهُ يَنْخَدِشُ بِإِتْلَافِ الْمَاءِ قُلْت وَيَخْدِشُهُ أَنَّ الدَّائِنَ إذَا طَالَبَ بِدَيْنِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمَعَ الْمَدِينِ مَاءٌ لِطَهَارَتِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَطَلَبَ الدَّائِنُ بَيْعَهُ لِلدَّيْنِ أَنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ وَالدَّائِنُ قَدْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ وَهَذَا يُسَلِّمُهُ الْفَقِيهُ وَلَا يُنْكِرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا مُتَعَسِّفًا فَلَيْسَ كَلَامُنَا مَعَهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُصَحِّحِينَ بُطْلَانَ هِبَةِ الْمَاء لَا يُسَلِّمُونَ قِيَاسَ الشَّاشِيِّ فَلِهَذَا أَعْرَضَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجَوَابِ عَنْهُ لِعَدَمِ تَسْلِيمِهِ لَهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ التَّبَرُّعُ بِالْمَاءِ وَالْمَالِ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا اعْتَمَدَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ التَّعْلِيلِ لَمْ يُرَتِّبْ فِي صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ بُطْلَانِ التَّبَرُّعِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ بَلْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِيضَاحِ أَيْ لِلنَّاشِرِيِّ بُطْلَانُ الْعِتْقِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ اهـ.

الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَفِيهِ أَنْظَارٌ شَتَّى وَأُقَدِّمُ قَبْلَ الْكَلَامِ فِيهَا الْكَلَامَ فِي مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ فِي تَبَرُّعَاتِ الْمَدِينِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَلَا وَفَاءَ مَعَهُ حَالًا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلهمْ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً كَمَا سَبَقَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ فَأَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ وُقُوعِ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ تَصَرُّفَاتِهِ نَظَرُهُمْ لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَكَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي التَّيَمُّم مَعَ ظَنِّهِمْ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ غَيْرَهُمَا وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا بَلْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْأُمِّ لِإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُنْتَقَى وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا حَتَّى الْمُتُونِ الصِّغَارِ فِي بَابِ الْعِتْقِ بَلْ وَفِي كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ كَمُغْنِي الْحَنَابِلَةِ الَّذِي أَطَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَدْحِهِ وَاعْتِمَادِ مَا فِيهِ مِنْ النُّقُولِ عَنْ الْمَذَاهِبِ لِحِفْظِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِهِ فِي شَرْحِهِ لِلْمُهَذَّبِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِسَوْقِ عِبَارَاتِهِمْ وَالْكَلَامِ فِيهَا بِبَيَانِ مَا قَدْ يَخْفَى مِنْ مَدْلُولِهَا وَمَا قَدْ يَرِدُ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى سَوْقِ الْعِبَارَاتِ الْمَشْهُورَةِ دُونَ غَيْرِهَا لِئَلَّا يَطُولَ الْكِتَابُ فَيُمَلَّ فَنَقُولُ الْعِبَارَةُ الْأُولَى عِبَارَةُ الْمُغْنِي الْمَذْكُورِ وَهِيَ مَا فَعَلَهُ الْمُفْلِسُ فِي مَالِهِ قَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ قَضَاءِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ نَافِذٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالُك وَالشَّافِعِيُّ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ كَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ الْحَجْرُ فَلَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ انْتَهَتْ بِلَفْظِهَا.

وَقَوْلُهُ نَافِذٌ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِجَائِزٍ بِدَلِيلِ تَصْرِيحِ الْحَنَابِلَةِ بِحُرْمَتِهَا وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ لَهُمْ وَتَصَرُّفُهُ أَيْ الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ نَافِذٌ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ ذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَيْ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فَانْظُرْ حِكَايَةَ الْمُغْنِي النُّفُوذَ مِنْ الْمُفْلِس قَبْلَ الْحَجْرِ عَنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَقَوْلَهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ يَظْهَرُ لَك أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ أَمْرٌ خَالَفُوا فِيهِ أَئِمَّةَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرَهُمْ وَكَفَى بِهَذَا قَادِحًا فِي رَدِّ مَقَالَتِهِمْ وَتَزْيِيفِهَا وَأَنَّهُ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهَا فَإِنَّ قُلْت قَوْلُ الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ قَادِحٌ فِي قَوْلِ الْمُغْنِي وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ هَذَا خِلَافٌ فِي مَذْهَبِهِ وَيَبْعُدُ عَلَى حَفَظَةِ الْمَذْهَبِ الْحِفْظُ الَّذِي لَا يُسَاوِي فِيهِ خَفَاءُ هَذَا الْخِلَافِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْعِتْقِ.

وَكَذَا هُوَ شَهِيرٌ فِي مَذْهَبِ مَالِك بَلْ جَزَمَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ بِعَيْنِ مَا أُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ فَقَالَ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِالْمَالِ حَتَّى قَبْلَ الْحَجْرِ لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ غَيْرُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ بِتِلْكَ الْإِحَاطَةِ وَإِلَّا فَتَبَرُّعُهُ صَحِيحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ نَقْلًا عَنْ ابْن ذُؤَيْبٍ وَاعْتَمَدَهُ بَلْ هَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ صِحَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>