الْحُكَّامِ الْحُكْمُ وَالْحَبْسُ بِالدُّيُونِ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الشَّرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ فَمَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِشَيْءٍ إلَّا وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا نَهْيَ عَنْ شَيْءٍ إلَّا وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ وَهِيَ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَأَمَّا النَّقْلُ فَإِنَّ الْفَقِيهَ نَجْمَ الدَّيْنِ بْنَ الرِّفْعَةِ بَنَاهُ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ فِي الْوَقْتِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ.
وَيَكُونُ الصَّحِيحُ الْمَنْعَ وَبَحَثَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالْمَنْعِ مُعَلِّلًا بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَاهُ فَلْيَكُنْ هُوَ الْحَقَّ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْطِقُ كُلَّ عَالَمٍ بِمَا يَلِيقُ بِأَهْلِ زَمَانِهِ نَعَمْ أَطْلَقَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ صِحَّةَ تَمْلِيكِ الْمَدْيُونِ مَالَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ وَتَعْطِيلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ الْفَتْوَى بِخِلَافِهِ لِلْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَيَتَأَيَّدُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. جَوَابُهُ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَجَائِبَ مِنْهَا قَوْلُهُ أَمَّا النَّذْرُ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُرْبَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الَّذِي مَرَّ عَنْ الْأَصْحَابِ صِحَّتُهُ فَإِنْ قُلْت تَبَرُّعُ الْمَدِينِ حَرَامٌ فَكَيْفَ صَحَّ نَذْرُهُ مَعَ ذَلِكَ وَالنَّذْرُ شَرْطُهُ الْقُرْبَةُ قُلْت الَّذِي حَقَّقْتُهُ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ الْحُرْمَةَ إنْ كَانَتْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَمْ تُنَافِ انْعِقَادَهُ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ.
وَيَأْتِي فَمِنْ ذَلِكَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ عِتْقِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُوسِرِ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ كَثِيرُونَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِهِ مَعْصِيَةٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ إزَالَةُ وَثِيقَةِ الْغَيْرِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ بَدَلُهَا مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عَلَى مَا فِيهِ يَصِحُّ نَذْرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَوْلَا أَنَّ الْمُقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحُرْمَةَ الْخَارِجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النَّذْرِ لَمَا قَالُوا بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا وَجْهُ ضَعْفِهِ حِينَئِذٍ قُلْتُ كَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالْمَعْصِيَةِ فِي نَذْرِهِ كَانَ ذَلِكَ مُلْحَقًا بِالذَّاتِيِّ بَلْ أَبْلَغَ بِخِلَافِ عِتْقِ الْمَرْهُونِ وَنَذْرِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِلْمَعْصِيَةِ فِي النَّذْرِ فَنَظَرَ فِيهَا إلَى كَوْنِهَا خَارِجَةً عَنْهُ فَصَحَّ مِنْهُ.
وَجَرَى جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ عَلَى صِحَّةِ نَذْرِ الْجُنُبِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلِلِاعْتِكَافِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمَغْصُوبِ بِمَا فِيهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ قَالُوا بِصِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ وَجْهُهُ إلَّا مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ غَيْرُ ذَاتِيَّةٍ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ كَوْنُهُ عِيدًا أَوْ الضَّعْفِ عَنْ وَظَائِفِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُعَارِضْ أَصْلَ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ نَازَعُوا فِي صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِهِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَكَذَا وَقَعَ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا نَقَلُوا عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى انْعِقَادِ نَذْرِهِ اعْتَرَضُوهُ بِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَيُرَدُّ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ نَذْرِهَا اقْتِرَانُ كَرَاهَةٍ أَوْ حُرْمَة بِهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهَا مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَعْصِيَةِ فِي نَذْرِهِ لِمُنَافَاةِ الْمَعْصِيَةِ حِينَئِذٍ النَّذْرَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنْ انْعِقَادُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ مُهِمٌّ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَقْصِد بِهِ إضْرَارَ الْغُرَمَاءِ.
أَمَّا عِنْدَ قَصْدِهِ ذَلِكَ فَالصِّحَّةُ مُشْكِلَةٌ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ قَصْدَهُ الْإِضْرَارَ لَا يُصَيِّرُ الْحُرْمَةَ فِيهِ ذَاتِيَّةً وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتِيَّةً انْعَقَدَ كَمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى الصِّيغَةِ فَإِذَا وَقَعَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا صَحَّتْ وَإِنْ صَحِبَهَا قَصْدٌ مُحَرَّمٌ خَارِجٌ عَنْهَا وَعَنْ الْمَنْذُورِ بِهِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ قَاصِدًا إضْرَارَ غُرَمَائِهِ يُصَدَّقُ عَلَى نَذْرِهِ هَذِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ أَنَّهُ نَذْرُ قُرْبَةٍ وَأَمَّا قَصْدُ الْإِضْرَارِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَمْ يُحْدِثْ إلَّا قُوَّةَ الْحُرْمَةِ وَإِلَّا فَأَصْلِهَا مَوْجُودٌ وَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ الْقَصْدُ لِمَا مَرَّ مِنْ حُرْمَةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ.
وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِصِحَّةِ النَّذْرِ وَإِذَا لَمْ يُحْدِثْ الْقَصْدُ حُرْمَةً لَمْ يَكُنْ أَصْلِهَا مَوْجُودًا فَلَا وَجْهَ لِاقْتِضَائِهِ الْبُطْلَانَ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَأَمَّا صِحَّتُهُ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي إلَخْ وَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ شَرْطُهُ الْعَقْدَ لَا يَضُرُّ إضْمَارُ نِيَّتِهِ فِيهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَافِي أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ الْإِضْمَارِ هَلْ يَحِلُّ بَاطِنًا وَجْهَانِ قَالَ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدِي يَحِلُّ لِحَدِيثِ عَامَلَ خَيْبَرَ. اهـ.
وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُبْطِلَةَ لِلْعَقْدِ لَا تُؤَثِّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute