فِي صِحَّتِهِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا قَصَدَهَا عِنْدَهُ أَوْ قَصَدَهُ لِأَجْلِهَا فَأَوْلَى قَصْدُ الْإِضْرَارِ هُنَا بَلْ لَوْ قِيلَ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا إضْرَارًا بِغُرَمَائِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ كَلَامِهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَيْعَ لِأَجْلِ الْإِضْرَارِ صَحِيحٌ فَقَوْلُهُ إضْرَارًا بِغُرَمَائِي تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ حَتَّى يَبْطُلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَضُرَّ غُرَمَائِي أَوْ عَلَى أَنْ يَضُرَّهُمْ فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ وَمِنْهَا قَوْلُهُ إنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ إلَخْ.
وَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا أَمَّا أَوَّلًا فَمُطْلَقُ الْبَيْعِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ الْبَيْعَ بِمُحَابَاةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُصَّ الْبُطْلَانَ بِقَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدِ الْمُضَارَّةِ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْمُضَارَّةِ فَجَعْلُ الْفَتَى قَصْدَ الْمُضَارَّةِ مُقْتَضِيًا لِلْبُطْلَانِ غَيْرُ مُتَعَقَّلٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا مُضَارَّةَ أَوْ بِدُونِهِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ عَلَى طَرِيقَةِ أُولَئِكَ الْبَيْعُ فِيهِ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُضَارَّةَ فَإِنْ قُلْتَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ مِنْ ظَالِمٍ لَا يُعْطِي الْغُرَمَاءَ شَيْئًا وَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِ الْمِثْلِ قُلْتَ هَذَا بَعِيدُ الْوُقُوعِ وَخِلَافُ فَرْضِ السُّؤَالِ أَنَّ الْبَيْعَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ لَكِنَّ قَوْلَ السَّائِلِ يَحْصُلُ مِنْهَا تَفْوِيتُ التَّرِكَةِ كُلِّهَا يُوَضِّحُ الْمُرَادَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْبَحْث عَنْ الْمَصَالِحِ أَوْ الْمَفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الْمَحْضُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ وَيُخَالِفَ كَلَامَ أَئِمَّتِهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُصَادَرِ وَإِنْ انْحَصَرَتْ جِهَةُ خَلَاصِهِ فِي بَيْعِ مَالِهِ مَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي لَا يُتَدَارَكُ خَرْقُهَا بَلْ الْمَفَاسِدُ هُنَا أَقْبَحُ مِنْهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ لِأَنَّ الْمَالَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمْ يَفُتْ عَلَى الدَّائِنِ مَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمُصَادَرِ فَإِنَّ مَالَهُ فَاتَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فِي ذِمَّةِ أَحَدٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ صِحَّةُ بَيْعِهِ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمَصَالِحِ وَلَا فِي الْمَفَاسِدِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي كَلَامِ إمَامِهِ وَأَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ.
وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي سَلَّمَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبَ ثُمَّ قَالَ أَوْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْفَتْوَى بِخِلَافِهِ إلَخْ وَهَذَا تَجَاسُرٌ مِنْهُ قَبِيحٌ جِدًّا لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا كَلَامَ الْأَصْحَابِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ اقْتَضَتْ الْإِفْتَاءَ بِخِلَافِهِ كَيْفَ يَسُوغُ لَنَا ذَلِكَ الْإِفْتَاءُ هَذَا مِمَّا لَا يُمَكِّنُ مُقَلِّدًا الْقَوْلَ بِهِ.
وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدَ فَتْوَى لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ وَظِيفَتِهِ وَإِنَّمَا وَظِيفَتُهُ التَّرْجِيحُ وَالتَّخْرِيجُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ قَامَتْ فِي الذِّهْنِ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَمَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ وَقَعَ فِي وَرْطَةِ التَّقَوُّلِ فِي الدَّيْنِ وَسَلَكَ سُنَنَ الْمَارِقِينَ حَفِظَنَا اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ إنَّ قَاعِدَةَ تَقْدِيمِ الْمَصَالِحِ أَوْ الْأَصْلَحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَوْ الْأَفْسَدِ إنَّمَا هِيَ فِي الْجُمْلَةِ لَا أَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا حَيْثُ كَانَ وَوُجِدَ بَلْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَفْسُهُ اسْتَشْكَلَ الْقَاعِدَةَ بِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ لَوْ نَزَلَ بِبَلَدٍ وَخَافَ نَاسُهُ مِنْ اسْتِئْصَالِهِ لَهُمْ إلَّا لَمْ يُعْطُوهُ فُلَانًا أَوْ مَالَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَفْسَدَةَ الْوَاحِدِ دُونَ مَفْسَدَةِ الْجَمِيعِ بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي ثُمَّ تَرَتُّبُ تِلْكَ الْمُفْسِدَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلَى الْبَيْعِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ آنِفًا فِي الْبَيْعِ مِنْ ظَالِمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ.
وَوُقُوعُ هَذَا مِنْ الْمَدْيُونِينَ نَادِرٌ جِدًّا أَوْ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ بِمُحَابَاةٍ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نُدُورٌ وَإِنَّمَا الْغَالِبُ تَبَرُّعُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ بَلْ لَا يَسْلَم مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْفَذُّ النَّادِرُ لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ لَا يَخْلُو مِنْ دَيْنِ مَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَتَبَرَّعُونَ وَإِنْ لَمْ يَرْجُوا لِذَلِكَ وَفَاءً فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ الْفَتَى فِي التَّبَرُّعِ فَقَطْ أَوْجَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ ضَعِيفًا بَلْ شَاذًّا وَقَوْلُهُ بَنَاهُ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ ذِكْرُهُ الْبَيْعَ سَهْوٌ فَإِنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يُخَرِّجْ إلَّا عَلَى هِبَةِ الْمَاءِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الصَّدَقَةِ بِمَا يَحْتَاجُهُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى قِيَاسُهُ عَلَى الْهِبَةِ لَا الْبَيْعِ كَمَا هُوَ جَلِيُّ.
وَقَوْلُهُ وَالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَاهُ فَلْيَكُنْ هُوَ الْحَقَّ هَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا وَكَيْفَ يَكُونُ الْحَقَّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الَّذِي مَرَّ بَيَانُهُ عَلَى أَنَّهُ أَعْنِي الْفَتَى لَمْ يَجْرِ عَلَى مَا قَالَاهُ لِأَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ قَصْدِ مُضَارَّةٍ لِلْغُرَمَاءِ وَالْفَتَى يُقَيِّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute