بِاشْتِرَاطِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ فِي السُّؤَالِ وَفِي كَلَامِهِ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا الْبَيْعُ بِهَذَا الْقَصْد فَاقْتَضَى أَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى ذَلِكَ الْقَصْدُ صَحَّ مِنْهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ وَهَذَا تَفْصِيلٌ مُخْتَرَعٌ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ نَقْلٌ وَلَا قَاعِدَةٌ بَلْ الْمَنْقُولُ وَالْقَاعِدَةُ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ فَلِيَكُنْ رَدًّا عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ إلَخْ هُوَ مُطَالَبٌ بِبَيَانِ وُرُودِ ذَلِكَ عَمَّنْ وَمِنْ أَيِّ طَرِيقٍ مُعْتَدٍّ بِهَا عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ قَاضٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَالِمِ فِي هَذَا الَّذِي زَعَمَ وُرُودَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَق وَهُوَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ مُنْذُ نَحْوِ سَبْعمِائَةِ سَنَةٍ وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ إنَّمَا يَعْمَلُونَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِينَ وَوُجُوهُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْهَا وَكُلُّ عَالِمٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَنْطِقُ إلَّا بِمَا يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ لَاقَ بِأَهْلِ زَمَانِهِ أَمْ لَا وَمِنْهَا قَوْله وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ وَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَصْدَ الْمُضَارَّةِ لَا يَقْتَضِي إبْطَالًا مُطْلَقًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الَّذِي قَدَّمْته آنِفًا وَبِمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَهُ وَبَيَّنْتُ مَا فِيهِ يُعْلَمُ صِدْقُ مَنْ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ إنَّ إفْتَاءَ هَذَا إفْتَاءٌ بِالرَّأْيِ وَبُطْلَانُ اعْتِرَاضِ هَذَا بِأَنَّهُ تَعَصُّبٌ عَلَيْهِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْته أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْبُطْلَان قَصْدُ الْمُضَارَّةِ وَهَذَا رَأْيٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ مَنْ قَلَّدَهُمَا فِيمَا زَعَمَهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيَّ وَلَا غَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا مَنْقُولُ الْمَذْهَب صِحَّة تَبَرُّع الْمَدِينِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَمَا مَرَّ أَوَائِل الْكِتَاب عِنْد تَحْرِيرِي لِلْمَدِينِ الَّذِي وَقَعَ النِّزَاع فِي صِحَّة تَبَرُّعِهِ وَبَحَثَ ذَيْنك وَمَنْ تَبِعَهُمَا بُطْلَانَهُ مُطْلَقًا فَتَفْصِيلُ الْفَتَى بَيْنَ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ وَعَدَمِهَا رَأْيٌ مُخْتَرَعٌ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ مُحَقِّقًا وَلَهُ تَآلِيفُ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْحَقُّ بِالرِّجَالِ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَعْظَمَ تَخْطِئَتَهُ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الرِّجَالُ بِالْحَقِّ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ إنَّ فَتْوَاهُ هَذِهِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ هُوَ الْمَنْقُولُ كَيْفَ وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْفَاسِدَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَبِأَنَّهُ قَلَّدَ فِيمَا قَالَهُ ابْنَ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيَّ عَلَى أَنَّهُ خَالَفَهُمَا بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَيْنَ قَصْدِ الْإِضْرَارِ وَعَدَمِهِ فَأَيُّ مَنْقُولٍ اتَّبَعَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَزْعُمَ مَنْ قَلَّدَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَنَّ فَتْوَاهُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ هُوَ الْمَنْقُولُ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ مَعَاصِرِي الْفَتَى اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَجْرِ فَقَدْ بَرَّ فِي ذَلِكَ وَصَدَقَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فِي مَوَاضِعَ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جَرَوْا عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فَمَنْ اعْتَرَضَ عِبَارَتَهُ هَذِهِ فَهُوَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَسَّفَ فِي اعْتِرَاضِهِ وَأَتَى فِيهِ بِمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي التَّفْلِيسِ فِي الثَّانِيَةِ عَشَرَ إنَّ هَذَا لَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ ثُمَّ بَسَطَ الرَّدَّ عَلَيْهِ.
وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجِيبِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُؤَلِّفِ السَّابِقِ ذَكَرَهُ لَمَّا حَكَى عَنْ فَتْحِ الْبَارِي لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْحَافِظِ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ قَالَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ذَا الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّبَرُّعُ لَكِنَّ مَحْمَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْفَلَسِ وَقَدْ نَقَلَ فِيهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. اهـ.
أَيْ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا فَعَلَهُ الْمَدِينُ رَدٌّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَكِنَّ مَحْمَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إلَخْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ لِغَيْرِهِ وَأَحْسَبُ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ السَّابِقَ وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. الْمَقْصُودُ وَأَنْتَ فِيهِ مِنْ وَرَاءِ التَّأَمُّلِ غَنِيٌّ عَنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رَدِّهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ إشَارَةٍ مَا إلَى مَا فِيهِ إذْ هَذَا الْحَافِظُ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا يُنْكَرُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْنِدَ ذَلِكَ الْحَمْلَ لِلْفُقَهَاءِ الشَّامِلَ لِلْمُجْتَهِدِينَ ذَوِي الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ وَغَيْرِهَا بِمُجَرَّدِ عِبَارَةٍ يَجِدُهَا فِي الرَّوْضَةِ وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعَ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَتَجَاسَرُ عَلَى كَلَامِهِ بِرَدِّهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِغَيْرِهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا مِمَّنْ سَاوَاهُ فِي الْحِفْظِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَمَّا مَنْ قَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَة مِنْهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُحِطْ بِنُصُوصِ مَذْهَبِهِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا قَالَهُ ذَلِكَ الْحَافِظُ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ أَبْحَاثًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute