إذْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَلَا حَامَ حَوْلَهُمَا بِوَجْهٍ وَلَعَمْرِي إنَّ مَنْ تَرَدَّى إلَى هَذِهِ الْهُوَّةِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَسُوءِ الْفَهْمِ فَحَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُجَاوِبَ وَلَا يُخَاطِبَ إذْ مُخَاطَبَةُ مِثْلِ هَذَا الْبَلِيدِ تُؤَدِّي إلَى مَا يُظْلِمُ الْقَلْبَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي رَدْعِهِ وَزَجْرِهِ مِنْ السَّبِّ لَكِنْ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ طَعَامُ أَحَدِ قِرَابِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ طُورِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَرْتَبَتِهِ وَقَدْرِهِ
وَلَمْ يَرَ فَوْقَهُ أَحَدًا فَوَقَعَ فِي الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَا وَالْحَمَاقَةِ الْعُظْمَى كَيْفَ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَكَأَنَّهُ مَا رَأَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ الْمُصَرِّحِ بِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ وَعِبَارَتُهُ قُلْتُ الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً انْتَهَتْ فَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِوُجُودِ الْخِلَافِ بَلْ وَتُقَوِّيه فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَبِهَذَا يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ قَوْلِهِ فَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي هَذَا الْمَدِينِ الَّذِي لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَقُلْ لَهُ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَك بِسُوءِ تَصَرُّفِك وَفَهْمِك كَيْفَ مَسْأَلَةٌ صَرِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ لَمْ تَرَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ هَلْ هَذَا إلَّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْسَاك الْعِلْمَ لِيُحِقَّ عَلَيْك كَلِمَةَ الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ وَعَدَمِ الْحِلْمِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِشَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَلَادَتِهِ وَعَدَمِ فَهْمِهِ لِعِبَارَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْتهَا فِي الْقُرَّةِ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَمَّا حَكَى فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حُرْمَةَ التَّصَدُّقِ مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ وَكَرَاهَتِهِ عَنْ آخَرِينَ وَعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ عَنْ آخَرِينَ قَالَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيل يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ فَرْضَهُ الْحُرْمَةَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ الْمُسْتَلْزِم أَنَّهُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ ثُمَّ الْكَرَاهَة وَعَدَم الِاسْتِحْبَابِ فِي ذَلِكَ تَجِدُ عِبَارَتَهُ فِي أَنَّ كَثِيرِينَ قَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّصَدُّق مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَائِلُونَ بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ فِي عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ أَوْ عَدَمَهَا فَهَذَانِ الْإِطْلَاقَانِ عَلَى الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقُ
فَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْمُطْلِقِينَ غَيْر الْمَذْكُورِينَ لَا إلَى الْمَذْكُورِينَ لِأَنَّهُمْ مُقَيِّدُونَ لَا مُطْلِقُونَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ فَرَضَ الْحُرْمَةَ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَقْيِيدُ مُقَابِلِهَا بِذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَإِلَّا فَلَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ غَلَبَةِ ظَنِّ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِهِ بَأْس أَوْ لَا يُسْتَحَبُّ وَالْأَخِيرُ وَاضِحٌ وَأَمَّا بِهِ بَأْسٌ فَكَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ افْتِرَاءِ هَذَا الْبَلِيدِ وَتَقَوُّلِهِ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِقَوْلِهِ حَاصِلُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ أَنْ يَصِلَ التَّهَوُّرُ وَالِافْتِرَاءُ بِصَاحِبِهِ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُجَازَفَةِ كَيْفَ وَهُوَ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا أَنَّهُ نَفَى لِمَاذَا وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ عَامِّيٌّ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِأَنْوَاعِهَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَة شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَرْجُو الْوَفَاءَ وَلَا عَدَمَهُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِقَوْلِهِ يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ كَمَا قَدَّمْته ثُمَّ وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَبِقَوْلِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِلَّا يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِرَجَاءِ الْوَفَاءِ بِلَا غَلَبَةٍ وَعَدَمُ رَجَائِهِ أَصْلًا لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا صَادِق بِالْجَوَازِ وَالْحُرْمَةِ كَمَا قَرَّرْته وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ تَعَرُّضٌ لِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فَضْلًا عَنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاق عَلَى الْحُرْمَةِ فِيهِ فَبَانَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْبَلِيدِ حَاصِلُهُ أَيْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ حَاصِلٌ مُنْهَدِمٌ عَلَى رَأْسِهِ مُؤْذِنٌ بِعَقْرِهِ مِنْ الْعِلْم وَنَفْسه هُدَانَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ لِطَاعَتِهِ الْمَوْضِعُ التَّاسِعُ قَوْلُهُ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي نَصِّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَازَمُوا بَيْنَ الْحُرْمَة وَالْبُطْلَانِ حَيْثُ وَجَدَ التَّحْرِيم
فَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْأَصْحَاب عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ حَرَّمَ تَصَرُّف الْمُفْلِسِ كَمَا فِي صُورَةِ تَبَرُّعِ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فَتَبَرُّعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. وَهَذَا كَلَامٌ رُدِئَ مَبْنِيُّ عَلَى فَسَادِ التَّصَوُّرِ وَالتَّحَيُّلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ إذَا فَسَّرُوا نَصًّا فِي مَوْضِعٍ بِشَيْءٍ يُخَالِفُ مَدْلُولَهُ كَيْفَ يُقْضَى بِهِ عَلَى سَائِرِ الْمَوَاضِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute