ثُمَّ يُسْتَنْتَجُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَازَمُوا بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْبُطْلَانِ حَيْثُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ وَهُوَ كَذِبٌ صَرِيحٌ وَتَقَوُّلٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ نَقُولُ ذَلِكَ وَهُمْ قَسَمُوا الْبُيُوعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا إلَى بَاطِلٍ وَصَحِيحٍ وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ فَضْلًا عَنْ فَضْلٍ أَزْيَدَ عَنْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ فَهِيَ مُلَازَمَةٌ بَاطِلَةٌ مُسْتَنْتَجَةٌ مِنْ مُقَدِّمَةٍ بَاطِلَةٍ وَإِنَّمَا تَكَلَّمْت عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَم الْجَوَازِ إلَخْ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ سَاقَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْبِيرٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ كَذِبٌ مَحْضُ وَبُهْتَانٌ عَمْدٌ وَكَأَنَّ هَذَا الشَّقِيَّ ظَنَّ أَنَّ كِتَابَهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْفُحْشِ لَا أَنْظُر فِيهِ فَيَتِمُّ تَرْوِيجُهُ عَلَى طُغَامِهِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ نَظَرْتُ فِيهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى تِلْكَ السَّفَاهَةِ وَالْحَمَاقَة لِأُبَيِّنَ كَذِبَهُ الشَّنِيعَ وَبُهْتَانَهُ الْفَظِيعَ وَغَايَةُ ذَلِكَ النَّصِّ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ رَفْعَ الْمُفْلِسِ إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَيُعَارِضُ تِلْكَ النُّصُوصَ الْآتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَلَا مُعَارَضَةَ لِأَنَّ مَا فِي الْجِزْيَةِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُفْتَرِي قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ كَانَ الْجَهْلُ ظِلَّهُ وَمَقِيلَهُ وَتَأَمَّلْ جَرَاءَتَهُ وَمُهَاجَمَتَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مَعَ الصِّحَّةِ فَهُوَ مُحَرِّفٌ لِلنُّصُوصِ وَمُغَلِّطٌ لِلْأَصْحَابِ تَجِدُهُ كَالْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ كَيْفَ وَسَبَبُ التَّحْرِيفِ وَالتَّغْلِيطِ الْأَخْذُ بِمَدْلُولِ كَلَامِهِمْ وَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَاز عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا هُوَ بَدِيهِيُّ التَّعَقُّلِ وَنَصُّ الْإِدْرَاكِ مِنْ كَلَامِهِمْ
وَلَا يُنْسَبُ لِذَلِكَ مَنْ اسْتَنْتَجَ مِنْ تَأْوِيلٍ مُتَعَيِّنٍ فِي مَحَلٍّ لِدَاعٍ دَعَا إلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ حَيْثُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ فَهَذَا الْمُتَقَوِّلُ الْمُخَلِّطُ الَّذِي لَا يَرْعَى لِحَقٍّ وَلَا يَهْتَدِي بِصَوَابٍ هُوَ الْمُحَرِّفُ الْمُغَلِّطُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ تِلْكَ النُّصُوصَ وَمَا جُمْلَتُهَا عَلَيْهِ قَوْلُ الْأُمِّ فِي الرَّهْنِ وَلَوْ كَانَ رَهَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ وَلَدَتْ لَهُ وَلَا مَالَ لَهُ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ عَتَقَ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِتِلْكَ النُّصُوصِ فِي نُفُوذِ عِتْقِهِ وَغَيْرِهِ مَعَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَمِمَّا يَزْدَادُ عَجَبُك مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا سَاقَ نُصُوصَ الْأُمِّ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْقُرَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي وَصَلَهُ أَنْ يُعَارِضَهَا بِنَصِّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ وَلَفْظُهُ إذْ أُعْسِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْجِزْيَةِ فَالسُّلْطَانُ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّ فَلَسَهُ لِأَهْلِ دَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَوْلِ وَإِنْ قَضَاهُ الْجِزْيَةَ دُونَ الْغُرَمَاءِ كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَعْدِ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَإِذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جِزْيَتَهُ دُونَهُمْ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِينَ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ إنْ بَقِيَ مَا لَهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ بَيَّنَ بَيِّنَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ يُقِرّ وَاسَتَعْدَى عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ جِزْيَتِهِ دُونَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ حِينَ أَخَذَ جِزْيَتَهُ. اهـ.
فَانْظُرْ حَتَّى تَعْلَمَ كَذِبَهُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى هَذَا النَّصِّ أَنَّ فِيهِ عَدَمَ الْجَوَازِ وَإِلَى الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ سُبْحَانك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَاتٍ وَهَذَا نَصُّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي كِتَابِهِ مِنْهَا قَوْلُهُ أَيْضًا وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ نَصَّهُ فِي الْجِزْيَةِ السَّابِقِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ وَكُلُّهُ كَذِبٌ صُرَاحٌ كَمَا عَرَفْت مِنْ سَوْقِ لَفْظِ النَّصّ بِحُرُوفِهِ الَّتِي سَاقَهَا هُوَ نَفْسُهُ عَنْ تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ
وَتَأَمَّلْ مُعَارَضَتَهُ لِتِلْكَ النُّصُوصِ بِهَذَا النَّصِّ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِهَذَا أَعْرَضَ الْجُمْهُورُ عَنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ هَذَا النَّصِّ وَأَوَّلُوهُ تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَهْتَدِي لِمَا يَقُولُ أَصْلًا وَلِهَذَا الْإِعْرَاض قَطَعَ فِي الرَّوْضَة بِمُقَابِلِهِ فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ يَفْتَقِرُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا وَاعْتَرَضَ قَطْعَهُ بِأَنَّ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ اعْتِرَاضٌ سَهْلٌ لِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُنَزَّلُ الْوَجْهُ لِشُذُوذِهِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ فَيُقْطَعُ بِمُقَابِلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِهِ الْمَوْضِعُ الْعَاشِرُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيَّ فِي نَقْلِي لِلْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ أَحْكَامِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute