الْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَى وَلِيِّهِ أَنَّهُ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَيَظْهَرُ تَصْدِيقُهُمْ أَيْ الْأَوْلِيَاءِ وَلَوْ نَحْوَ وَصِيٍّ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ وَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ مَتْبُوعَةٌ لِلْبَيْعِ فَكُلِّفَ الْبَيِّنَةَ بِهَا كَمَا يُكَلَّفُ الْوَكِيلُ بِبَيِّنَةٍ بِوَكَالَتِهِ وَأَمَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ جَائِز الْبَيْعِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَتِهِ وَدَعْوَى صِحَّتِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعَى فَسَادِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَيْع بِثَمَنِ الْمِثْلِ اخْتِلَافٌ فِي صِفَةِ الْبَيْعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَيُصَدَّقُ الْعَاقِدُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هُوَ اخْتِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ دَعْوَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ الْبَيْعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ كَدَعْوَاهُ الْبَيْعَ بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ وَيَرُدُّ فَرْقُهُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ كَمَا أَنَّهَا مَتْبُوعَةٌ لِلْبَيْعِ كَذَلِكَ ثَمَنُ الْمِثْلِ هُوَ مَتْبُوعٌ لِلْبَيْعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَزَعْمُهُ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ دُونَ الْمَصْلَحَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ ثُمَّ رَأَيْت كَلَامَ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ وَيَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ وَمُخْتَصَرَهُ وَإِنْ كَانَ بَسَطَهُ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمُوَكِّلُ أَنَّ وَكِيلَهُ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ صُدِّقَ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَدَّعِي خِيَانَتَهُ.
وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ يُصَدَّقُ الْمُوَكِّلِ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسَاد فَإِنْ قُلْتَ إذَا اخْتَلَفَ الرَّشِيدُ وَالْوَصِيُّ فِي صُدُورِ الْبَيْعِ بِلَا حَاجَةٍ أَوْ بِلَا غِبْطَةٍ صُدِّقَ الرَّشِيدُ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ الرَّشِيدَ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ هُنَا. اهـ. مُلَخَّصًا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ هُوَ الرَّشِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّط نَحْوَ الْوَصِيِّ عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمُوَكَّلِ فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْوَلِيّ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ بَسَطْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَاد فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ فَانْظُرْهُ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هُنَا كَلَامُ الْمُحَقِّقِ أَبِي زُرْعَةَ فَإِنَّهُ ذَكَر الْمَسْأَلَةَ فِي فَتَاوِيهِ.
وَأَطَالَ فِيهَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ أَرْضًا بِأُجْرَةٍ شَهِدَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهَا دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِكَثِيرٍ وَالْأُولَى لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِأُجْرَةِ الْأَرَاضِي فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِنَقْضِ الْحُكْمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ إلَّا بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ أَوَّلًا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِمَا شَهِدَتْ وَلَكِنْ كَيْفَ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ إنْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَهَذِهِ شَهَادَةُ نَفْيٍ.
وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا الشَّاهِدَانِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِاعْتِرَافِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِمَا الثَّانِي إنَّهُ يُفِيدُ كَذِبَ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ بِعَيْنِ الْأُولَى وَلَكِنْ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ وَالْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ التَّعَارُضِ لَا يَنْتَهِي الْحَالُ فِيهِمَا إلَى ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَصِلَ الثَّانِيَةُ إلَى التَّوَاتُرِ فَإِنَّهُ مَتَى خَالَفَ الْآحَادُ عُلِمَ كَذِبُ الْآحَادِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَفْرِضَ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأُجْرَة الْأُولَى تِسْعَةَ أَضْعَافِهَا وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَالِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَة الْأُولَى لِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِي اسْتِئْجَارِ فَدَّانٍ مِنْ قَوِيٍّ بِثَلَثِمِائَةٍ وَلَا يَرْغَبُ فِي اسْتِئْجَارِ مِثْلِهِ مِنْ ضَعِيفٍ بِثَلَاثِينَ لِجَرَيَانِ عَادَةِ بِلَادِ مِصْرَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ ضَعِيفٍ يَغْرَمُ عَلَى الْفَدَّانِ مَظَالِم فَوْقَ الثَّلَاثِمِائَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ مِنْ قَوِيٍّ لَا يَغْرَمُ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ.
وَقَدْ يُخَالِفُ مَا أَفْتَيْت بِهِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ وَالتَّمَهُّلِ أَيَّامًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اُحْتِيجَ لِبَيْعِ مِلْكِ يَتِيمٍ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ مِائَتَانِ نُقِضَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى الْبَيِّنَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُهَا أَوْ أَرْجَحُ وَقَدْ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ إسْنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَكَمَ لِلْخَارِجِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ وَانْتُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ ثُمَّ أُتِيَ صَاحِبُ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَخَالَفَ مَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ إسْنَادَ مَانِعٍ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ مُتَعَارِضٌ وَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ قُلْت وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي أَقَامَهَا الدَّاخِلُ لَوْ كَانَ أَقَامَهَا قَبْلُ امْتَنَعَ الْحُكْمُ لِغَرِيمِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute