وَوَجَبَ الْحُكْمُ لَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُعَارِضَةَ لَوْ أُقِيمَتْ مِنْ الْأَوَّلِ مَنَعَتْ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَمِنْ الْجَانِبَيْنِ لِتَعَارُضِهِمَا وَتَسَاقُطِهِمَا فَإِنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى بَلْ قَدْ تَرَجَّحَتْ الْمَحْكُومُ بِهَا بِالْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَا يُنْقَضُ بِالِاحْتِمَالِ مَعَ الِاعْتِضَادِ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ فِي الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ وَآخَرَانِ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ لِأَنَّ الْمُقِلَّ رُبَّمَا عَرَفَ عَيْبًا بِهِ غَفَلَ عَنْهُ الْمُكْثِرُ فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ أَوْلَى وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْمُقِلُّ نَاقِلٌ عَنْ الْأَصْلِ وَالْمُكْثِرُ مُبْقٍ عَلَيْهِ وَالنَّاقِلُ أَوْلَى مِنْ الْمُبْقِي وَقَالَ الْإِمَامُ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى الصِّفَاتِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَاحِدٌ بِمَعْرِفَةِ صِفَةٍ لَمْ يُدْرِكْهَا الْآخَرَ وَرَدُّوا النِّزَاعَ إلَى الْقِيمَةِ نَفْسِهَا فَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا إلَّا الْأَقَلُّ حَمْلًا عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. اهـ.
وَفِي أَصْل الرَّوْضَةِ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إتْلَافِ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَآخَرُ عَلَى إتْلَافِ ذَلِكَ الثَّوْبِ بِعَيْنِهِ وَقَالَ قِيمَتُهُ ثُمُنُ دِينَارٍ ثَبَتَ الْأَقَلُّ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْآخَرِ وَلَوْ شَهِدَ بَدَل الْوَاحِدِ وَالْوَاحِد اثْنَانِ وَاثْنَانِ ثَبَتَ الْأَقَلُّ أَيْضًا وَتَعَارَضَا فِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ وَزْنَ الذَّهَبِ الَّذِي أَتْلَفَهُ دِينَارٌ وَالْآخَرَانِ أَنَّ وَزْنَهُ نِصْفُ دِينَارٍ ثَبَتَ الدِّينَارُ لِأَنَّ مَعَ شَاهِدِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ فَإِنَّ مَدْرَكَهَا الِاجْتِهَادُ وَقَدْ يَقِفُ شَاهِدُ الْقَلِيلِ عَلَيْهِ. اهـ.
فَانْظُرْ كَيْفَ جَزَمَ أَوَّلًا بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ تَقَدَّمُ الزِّيَادَةُ وَتَعْلِيلُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالزِّنَةِ بِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ شَاهِدُ الْقَلِيلِ عَلَى عَيْبٍ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ النَّقْصِ كَمَا فِي التَّنْبِيه فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى كَأَنْ قَوَّمَ الْحِجَازِيَّةَ الَّتِي عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَثَلًا نُقِضَ الْحُكْمُ وَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ بَلْ نُقِضَ الْحُكْمُ بِهَا لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهَا فَصَارَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى لَا مُعَارِضَ لَهَا وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا نَقْضَ لِلْحُكْمِ وَبِدُونِ الْحُكْمِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إمَّا تَرْجِيحُ النَّاقِضَةِ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَارَضَا وَيَتَسَاقَطَا. اهـ.
وَتَبِعَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَرَدَّ كَلَامَهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ انْتَصَرْتُ لِكَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ ثُمَّ جَمَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ مَنْ اعْتَرَضَهُ بِمَا يُوَافِقُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ آخِرًا بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي يَتَحَرَّر لِي إلَخْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ تَعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ الدَّالُّ عَلَيْهِ كَلَامِي الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ الْمَذْكُورِ.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ أَقَامَهُ الْقَاضِي الْمُتَكَلِّمُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عَلَى حَجْرِ سَفِيهٍ بَعْد أَنْ ثَبَتَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِذَلِكَ لِيَصْرِفَ عَلَيْهِ وَمَعَهُ بِذَلِكَ إقَامَةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ الْقَاضِي فَاسْتَمَرَّ ثَلَاثَ سِنِينَ يَقُومُ بِهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ شَخْصٍ آخَر وَيَثْبُت مَا ادَّعَاهُ مَعَ إقَامَةِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ لِلْحَاجِرِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْمَصْرُوفِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) إذَا وَلَّى الْقَاضِي الْمُسْتَقِلُّ أَوْ النَّائِبُ الَّذِي شَمِلَتْ وِلَايَتُهُ النَّظَرَ فِي أَمْرِ نَحْوِ الْأَيْتَامِ قَيِّمًا فَإِنْ كَانَ لِظَنِّ أَنَّهُ لَا قَيِّمَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ كَانَتْ وِلَايَةُ الثَّانِي بَاطِلَةً وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لِلْأَوَّلِ مَا دَامَ أَهْلًا وَإِنْ كَانَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ لَهُ قَيِّمًا وَرَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً صَحَّ وَصَارَ الثَّانِي قَيِّمًا أَيْضًا وَلَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إلَّا إنْ قَالَ الْقَاضِي لِلثَّانِي جَعَلْتُكَ قَيِّمًا فِيمَا جَعَلَ الْقَاضِي فُلَانًا الْأَوَّلَ قَيِّمًا.
وَإِذَا لَمْ يَنْعَزِلْ الْأَوَّلُ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ الْقَاضِي لِلثَّانِي ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ إلَّا إنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَبُولِ أَوْ صَرَّحَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ أَوْ ضَعُفَ أَحَدُهُمَا أَوْ فَسَقَ فَيَنْفَرِدُ الْآخَرُ بِالتَّصَرُّفِ حِينَئِذٍ كَكُلِّ مِنْهُمَا فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ جَعَلَ الثَّانِي مُشْرِفًا عَلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَتَصَرَّفْ الْأَوَّلُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي حِينَئِذٍ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَرَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ نَقْلًا بِخُصُوصِهَا وَإِنَّمَا أَخَذْت مَا ذَكَرْته بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَ عِلْمِهِ. . . إلَخْ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْوَصِيَّيْنِ فَلْيَجْرِ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ ثُمَّ مِمَّا يُمْكِنُ إتْيَانُهُ فِي الْقَيِّمِينَ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْقَيِّمِينَ وَالْوَصِيِّينَ غَيْرُ خَفِّي وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ وَهُوَ الْمُوصِي ثُمَّ وَاحِدًا وَالْمَوْلَى وَهُوَ الْقَاضِي الثَّانِي هُنَا غَيْرُ الْقَاضِي لِأَنَّهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute