لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْإِكْرَاهِ الَّتِي أَثْبَتَتْهُ الْأُولَى وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ أَنْ تَذْكُرَ سَبَبَهُ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَخْوِيفٍ نَاجِزٍ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا نَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا لِاخْتِلَافِ مَا بِهِ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَإِذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ بَيْعَ الْوَصِيِّ كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ كَانَ بِدُونِهِ بِقَدْرٍ لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ حَيْثُ سُئِلَ عَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ مَالِ يَتِيمٍ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَاجَةِ وَبِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ بَيْعٌ بِلَا حَاجَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَقَالَ بِنَقْضِ الْحُكْمِ وَبِحُكْمِ فَسَادِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ سَالِمَةٌ مِنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أُزِيلَتْ يَدُ الدَّاخِلِ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِذَلِكَ. اهـ.
وَأَمَّا مُخَالَفَةُ السُّبْكِيّ لَهُ حَيْثُ قَالَ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا قَالُوا بِنِقْضِهِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّاخِلِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَجْلِ الْيَدِ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ قِيمَتَهُ عِشْرُونَ وَجَبَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ اهـ فَأَجَابَ عَنْهَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ نُقِضَ بِالشَّكِّ أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُرَجَّحًا وَغَايَتُهُ أَنَّهُ مُفَادُ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى الظَّنُّ وَمُفَادُ الثَّانِيَةِ الظَّنُّ أَيْضًا وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَبِأَنَّ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ السُّبْكِيّ عَلَى مَا زَعَمَهُ مَحَلّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ لَا يُحْكَمُ إلَّا بِالْأَقَلِّ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْأُولَى قَدْ وَقَعَ عَلَى ظَنِّ سَلَامَتِهَا مِنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَبَطَلَ الْحُكْمُ بِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَصْرِيحُ السُّبْكِيّ نَفْسِهِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْحُكْمِ امْتَنَعَ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْحُكْمِ لِأَنَّ مُعَارَضَةَ الثَّانِيَةِ الْأُولَى أَبْطَلَ النَّظَرَ إلَيْهَا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَمَّا يُتَوَهَّمُ مِنْ مُخَالَفَةِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِيمَا لَوْ تَلِفَ وَتَعَذَّرَ تَحْقِيقُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي سِلْعَةٍ قَائِمَةٍ يَقْطَعُ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّ قِيمَتَهَا مِائَةٌ. اهـ. وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ يُعْرَفُ وَجْهُهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي وَجْهِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ السَّابِقِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَلَامِهِ بَيْنَ التَّالِفَةِ وَالْبَاقِيَةِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ قَائِمَةً عَلَى صِفَاتهَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَقُطِعَ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالزِّيَادَةِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ وَابْنُ الصَّلَاح لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَتْ أَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَاتُهَا وَلَمْ يَقْطَعْ بِكَذِبِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ وَيُعْمَلُ بِهَا كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَ حِفْظِ الْوَلَدِ لِسُوَرٍ مُعِينَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِصِرَافَةٍ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الضِّيَافَةِ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ هَلْ فِي ذَلِكَ وَفِي خُصُوصِهِ فِي سُوَرٍ مُعِينَاتٍ أَثَرٌ وَهَلْ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ؟
(فَأَجَابَ) صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَا يُجْعَلُ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الْوَلَائِمِ الْمَسْنُونَةِ بِجَامِعِ السُّرُورِ وَإِظْهَارِ الشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَكَفَى بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نَدْبِ مَا ذُكِرَ وَلَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ شَيْئًا مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا خَتَمَ الْبَقَرَةَ ذَبَحَ بَدَنَةً وَلَيْسَ لَوَلِيّ الطِّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَلَائِمِ الْمَنْدُوبَةِ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(مَسْأَلَةٌ) أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ عَلَى تَرِكَتِهِ وَوَلَدِهِ لِإِنْسَانٍ وَجَعَلَ آخَرَ نَاظِرًا عَلَيْهِ وَأَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِوَلَدِهِ بِأَعْيَانٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّهِ فَصَدَّقَتْ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ شَافِعِيٌّ ثُمَّ إنَّ النَّاظِرَ اقْتَضَى رَأْيُهُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لَهَا مِنْ الْمَقْرُبَةِ لِلْوَلَدِ مَبْلَغًا صُلْحًا عَمَّا ادَّعَتْهُ فِيمَا أَعْذَرَتْ فِيهِ لِمَنَامٍ رَأَتْهُ أَنَّ وَلَدَهَا يُعَذَّبُ مِنْ جِهَتِهَا فَهَلْ لِلنَّاظِرِ ذَلِكَ أَوَّلًا وَيَغْرَمُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ جُنْحَةً فِيهِ ثُمَّ اتَّفَقَ النَّاظِرُ وَالْوَصِيُّ عَلَى خَزْنِ مَالِ الْمَحْجُورِ وَعَدَمِ الِاتِّجَارِ فِيهِ مَعَ إخْرَاجِ مُؤَنٍ مِنْهُ كَثِيرَةٍ عَلَى الْوَلَدِ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ نَحْوَ أَلْفٍ وَثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ فَهَلْ لَهُمَا ذَلِكَ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute