الْيَتِيمِ وَفِيهَا خَطْرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُوَفِّي حِينَ الْحُلُولِ لَمَطْلٍ أَوْ خُسْرَانٍ أَوْ إعْسَارٍ وَيَخْرُجُ رَهْنُهُمْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَعَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِيهَا الْكَرَاهَةُ وَالشُّبْهَةُ لِقَوْلِ إمَامَيْنِ كَبِيرَيْنِ وَأَتْبَاعِهِمَا بِتَحْرِيمِهَا وَبُطْلَانِهَا وَمِنْ مَصَالِحِ الصَّبِيِّ أَنَّ الْوَلِيَّ يَصُونُهُ عَنْ أَكْلِ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَعَنْ اخْتِلَاطِ مَالِهِ بِهِ وَيَحْرِصُ عَلَى إطْعَامِهِ الْحَلَالَ الْمَحْضَ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ مَالُهُ كُلُّهُ مِنْهُ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ أَمَّا أُخْرَوِيَّةٌ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا لَكِنَّ الْجَسَدَ النَّابِتَ مِنْ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَعْلَى دَرَجَةً فِي الْآخِرَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا دُنْيَوِيَّةٌ فَلِأَنَّ الْجَسَدَ النَّاشِئَ عَنْ الْحَلَالِ يَنْشَأُ عَلَى الْخَيْرِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَدْ يَكُونُ بِتَرْكِهِ الشُّبُهَاتِ يُبَارَكُ لَهُ فِي الْقَلِيلِ فَيَكْفِيهِ وَيَرْزُقُهُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ فَهَذِهِ الْمَصَالِحُ مُحَقَّقَةٌ وَالْفَائِدَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الَّتِي يَكْتَسِبهَا بِالْمُعَامَلَةِ السَّابِقَةِ دُنْيَوِيَّة مَحْضَة فَتَعَارَضَ مُصْلِحَتَانِ أُخْرَوِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةُ وَرِعَايَةُ الْأُخْرَوِيَّةِ أَوْلَى فَكَانَ الْأَحُظُّ وَالْأَصْلَحُ لِلْيَتِيمِ تَرْكُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ تَرْكُهَا مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: ١٥٢] دِينًا وَأُخْرَى حَلَالٌ قَطْعًا وَغَيْرُ الْأَحْسَنِ فِيهِمَا مُمْتَنِعٌ قَطْعًا وَالْأَحْسَنُ فِي الْآخِرَة فَقَطْ أَحْسَنُ مِنْ الْآخِرِ فَهُوَ الْأَحْسَنُ مُطْلَقًا فَأَنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَيَأْكُلُ مَالَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَهُ غَيْرُهُ. اهـ.
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْبَغِي لَهُ تَجَنُّبُ مَا فِيهِ الشُّبْهَةُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي كَلَامِهِ وَأَنَّ تَرْكَهُ الِاتِّجَارَ لِذَلِكَ غَايَةُ الْإِحْسَانِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِوَجْهٍ وَالْعِبْرَةُ فِي تَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْ الْمُوصِي وَالنَّاظِرِ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ صَاحِبِ الْمَالَ وَلَا بِمَذْهَبِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ حَيْثُ قَالُوا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْهُ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ نَهَاهُ الْإِمَامُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَإِنْ خَافَ مِنْ الْإِمَامِ أَخْرَجَهَا سِرًّا فَإِنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا أَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا تَعَدِّيًا أَخْرَجَهَا الْمَحْجُورُ إذَا كَمُلَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَلِيّ إخْرَاجُهَا إذَا كَانَ يَرَى وُجُوبَهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَفَّالُ لَوْ كَانَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ لَمْ يَخْرُجْهَا لِئَلَّا يُلْزِمَهُ قَاضِي مَذْهَبِهِ بَلْ الِاحْتِيَاطُ لَهُ ضَبْطُهَا إلَى أَنْ يُكْمِلَ الْمَحْجُورُ فَيُعَرِّفَهُ لِيُخْرِجَهَا. اهـ.
وَلَا يَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ بَلْ يُغْنِيه عَنْهُ اسْتِئْذَانُ حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ فِي إخْرَاجِهَا أَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا حَتَّى يَحْكُمَ لَهُ بِعَدَمِ مُطَالَبَةِ الْمَوْلَى لَهُ بِهَا إذَا كَمَّلَ وَبِعَدَمِ تَعَرُّضِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ لَهُ بِتَغْرِيمِهِ إيَّاهَا وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ يَعْمَلُ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ كَحَاكِمٍ أَنَابَ حَاكِمًا آخَر يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ وَالْأَوْجَهُ مَنْ تَرَدَّدَ لَهُ فِي الْوَلِيّ الْعَامِّ الصَّرْفُ إذَا لَمْ يُلْزِمْهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِمِثْلِ مَا مَرَّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْقَفَّالِ السَّابِقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ وَلَا عَلَى النَّاظِرِ فِيمَا فَاتَ بِسَبَبِ تَرْكِهِمَا الِاسْتِرْبَاحَ مِنْ الرِّبْحِ الْمُتَوَهَّمِ لَوْ اتَّجَرَ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَضْمَنْ بِتَرْكِ عِمَارَةِ الدَّارِ حَتَّى خَرِبَتْ أَوْ بَيْع الْفِرْصَادِ أَوْ تَلْقِيحِ الطَّلْعِ حَتَّى فَسَدَ فَأَوْلَى هَذَا لَا يَأْتِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ فِيهَا فَوَاتَ عَيْنٍ مَحْسُوسَةٍ مَوْجُودَةٍ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ بِخِلَافِ الرِّبْحِ الْمُتَوَهَّمِ وَحَيْثُ كَانَا عَلَى الْحَقِّ لَمْ يَسُغْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ تَعَرُّضٌ لَهُمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ إذَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ بَجِيلَةَ يَتَبَرَّكُونَ بِرَجُلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَيَأْتُونَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَجْلِ التَّبَرُّكِ بِهِ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ يَتِيمٌ فَيَأْخُذُ الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ الْمُخْتَلِطِ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَيَأْتِي بِهِ إلَيْهِ لِلتَّبَرُّكِ فَهَلْ يَحِلُّ لِهَذَا الرَّجُلِ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ الْوَلِيِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْيَتِيمِ حَيْفٌ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَيِّي الدَّيْنِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَصِيِّ أَيْتَامٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ عِيَالٌ وَلَهُ وَلِلْأَيْتَامِ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ وَيَأْكُلُونَ كُلُّهُمْ جَمِيعًا وَيُضَيِّفُ الْوَصِيُّ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ نَاسًا مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيتَامِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْأَيْتَامِ حَيْفٌ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
فَهَلْ هُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute