للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ لَا فَتَوَهَّمَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْتَى بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ ثُمَّ تَوَهَّمَ ثَانِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَأَفْتَى بِصِحَّةِ ضَمَانِهِ وَصِحَّةِ ضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ لِلْعَبْدِ فِي دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ أَيْ مَثَلًا مَذْكُور فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا.

وَمَا وَقَعَ لِلْمُفْتِي الْمَذْكُورِ تَخْلِيطٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي إتْلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ مِنْ تَفَرُّدِهِ وَقَدْ رَدَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ انْتَصَرَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا لَا يُجْدِي أَنَّ السَّيِّدَ هُنَا إنْ كَانَ أَذِنَ لِقِنِّهِ فِي أَخْذِ السِّلَعِ لِيَصْنَعَهَا لِأَرْبَابِهَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ بِإِبْقَائِهَا مُسَلَّطٌ لَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَةِ الْقِنِّ دُونَ ذِمَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الضَّامِنِ الْمَذْكُورِ لِلْعَبْدِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَضْمَنَ عَنْهُ بَلْ الْمَلْزُومُ بِذَلِكَ هُوَ السَّيِّدُ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْقِيمَةَ تَتَعَلَّقُ فِي الْأُولَى بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ وَقَّتَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْقِيمَةِ غَيْرُ مَا سَاوَتْهُ الرَّقَبَةُ وَإِذَا كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْزَمُ بِذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَالْعَبْدُ غَيْرُ مُلْزَمٍ أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ فَهُوَ كَعَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ يُسْتَوْفَى مِنْهَا فَلَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ خَبْطٌ وَتَخْلِيطٌ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي السُّؤَال وَالْجَوَاب، وَاَللَّه أَعْلَم.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلُ عَلَى ظَنِّ انْتِقَالِ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الضَّمِينِ هَلْ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَالضَّامِنُ مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا اُبْسُطُوا الْجَوَابَ مَعَ بَيَانِ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ صَرَائِحُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ قَوْل الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَبْرَأْتُك مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ الْأَصْحَابُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ ذَلِكَ.

وَهَلْ يَبْرَأُ فِي الْبَاطِنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ الدَّيْنُ فَهُوَ مَجْهُولٌ. اهـ.

وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاعْتَمَدُوهُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ وَكَانَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَابِضُ أَنَّهُ حَرَامٌ ثُمَّ ابْرَأْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ إنْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ لَمْ يَصِحَّ وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ سَقَطَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فَلَا يَسْقُطُ. اهـ.

وَنَظِيرُ مَسْأَلَتنَا مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَة إسْقَاطٍ وَقَدْ عُلِمَتْ صِحَّة الْبَرَاءَةِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَا يُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ فَإِنَّ فِيهَا اسْتِيفَاءً فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَاعْتَمَدَهُ وَقَالَ إنَّهُ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَهُوَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الصَّدَاقِ مِنْ الرَّشِيدَةِ يَنْبَغِي نُفُوذُهَا وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا أَبْرَأَتْهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ صِفَةً لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَبَانَ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْبَحِيِّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَخْتَلِعَ امْرَأَتَهُ فَحَضَرَ آخَرُ وَقَالَ اخْلَعْهَا إلَى ذِمَّةِ أُمِّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَخَلَعَهَا الزَّوْجُ إلَى ذِمَّةِ أُمِّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئْت ذِمَّتُهُ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يَعْرِفُ الْفِقْهَ ثُمَّ قَالَ الْوَاسِطَةُ تَبَارَأْ أَنْتَ وَصِهْرَتك فَأَبْرَأَهَا الزَّوْجُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْمَهْرِ فَهَلْ تَصِحُّ بَرَاءَتُهُ لِلصِّهْرَةِ مِمَّا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا لَهُ مِنْ عِوَضِ الْخُلْعِ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ مِثْله الَّذِي بِذِمَّتِهِ لِلزَّوْجَةِ أَمْ لَا الْجَوَابُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فِي الظَّاهِرِ إنْ كَانَ قَدْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.

وَهَذَا كَالنَّصِّ فِي مَسْأَلَتنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُبَرِّئِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ ظَنَّ انْتِقَالَ الدَّيْنِ مِنْ الْأَصِيلِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ إنْ كَانَ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَشَأَ بَيْنَهُمْ وَشَهِدَتْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِ بِأَنْ يَجْهَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ بُطْلَانُ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافِ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنّ الْمُكَلَّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>