وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِمَنْ عَذَرَ بِذَلِكَ الظَّنِّ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ بَيْعُ وَعِتْقُ وَتَزْوِيجُ وَإِبْرَاءُ مَنْ ظَنَّ أَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ ثُمَّ بَانَ أَنَّ لَهُ وِلَايَةً وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ عُذِرَ فِي ظَنِّهِ أَوْ لَا فَتَقْيِيدُ الْأَصْبَحِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ قَدْ نَشَأ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْق فَتَنْفُذُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا نَشَأَ بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ثُمَّ رَأَيْت الْفَقِيهَ الصَّالِحَ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا مَخْرَمَةَ أَفْتَى بِمَا أَفْتَيْت فَقَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ يَبْرَأ الْمَضْمُون عَنْهُ وَالضَّامِنُ عَنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ فَلَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا ذَكَرْته عَنْ أَبِي مَخْرَمَةَ قَوْلَ الْأَنْوَار لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي الذِّمَّةِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ حَرَامٍ فَإِنْ سَلَّمَهُ الْبَائِع قَبْل قَبْضِ الثَّمَن بِطِيبِ قَلْبِهِ وَأَكَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْل أَدَاءِ الثَّمَنِ حَلَّ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ أَصْلًا وَالثَّمَنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ وَأَبْرَأهُ الْبَائِعُ مَعَ الْعِلْم بِحُرْمَتِهِ بَرِئَ وَلَكِنْ أَثِمَ بِرَوَاحِهِ وَإِنْ أَبْرَأهُ بِظَنِّ الْحِلِّ لَمْ يَبْرَأ. اهـ.
وَوَجْهُ الْمُنَافَاة أَنَّ الظَّنَّ هُنَا أَثَرٌ فَلِمَ لَا أَثَرَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَار يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَته وَهُوَ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ تَصِحُّ حِينَئِذٍ وَهَذِهِ هِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فِيهَا حَتَّى يُقْصَدَ أَوْ يَنْزِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْإِبْرَاءِ عَلَيْهَا عَلَى بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِصِحَّتِهِ مَعَ ظَنِّ الْحِلِّ فَقِيَاسُهُ صِحَّتُهُ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَوْ مَعَ ظَنِّ انْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا عَدَمَ الْمُنَافَاةِ فِيمَا ذَكَرَ لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى إنْكَارٍ ثُمَّ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ الْحَقِّ أَوْ بَرِئْت مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ وَرَدُّوا عَلَى مَنْ قَالَ إذَا صَرَّحَ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الصُّلْحِ سَقَطَ حَقُّهُ وَقَوْلُ الذَّخَائِرِ إنَّ الشَّاشِيَّ حَكَى هَذَا عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ غَلَطٌ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الشَّاشِيُّ مَقَالَة وَأَفْسَدَهَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ ظَنَّ صِحَّةَ الْمُصَالَحَةِ فَإِنْ عَلِمَ فَسَادَهَا ثُمَّ أَبْرَأَهُ نَفَذَ الْإِبْرَاءُ لَا مَحَالَةَ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ إطْلَاقَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَقُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ الْإِبْرَاءُ إلَى الْقَبُولِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَجْرِ مُصَالَحَةٌ قُلْت لَا يُنَافِي شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَوَّرَ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ بِمَا إذَا صَالَحَ مَعَ الْإِنْكَارِ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسمِائَةِ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي فَحِينَئِذٍ لَا يَبْرَأُ وَيَلْزَمُهُ ظَاهِرًا رَدُّ مَا قَبَضَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْأَلْفِ أَخَذَهَا جَمِيعَهَا وَعَلَّلَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَانَ مَقْرُونًا بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ فَلَمَّا لَزِمَهُ رَدُّهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بَطَلَ إبْرَاؤُهُ لِعَدَمِ صِفَاتِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَأَذِنَ لِمُشْتَرِيهِ فِي عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ كَانَ لِمِلْكِ الْعِوَضِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِد لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ. اهـ.
كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَوَافَقَهُ حَتَّى عَلَى مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ يَتَّجِهُ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاء هُنَا وَقَعَ عِوَض مُعَاوَضَة لِاقْتِرَانِهِ بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بُطْلَانُهُ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ فِيهَا لَمْ يَقَعْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ حَتَّى إذَا فَسَدَ فَسَدَ الْإِبْرَاءُ فَمِنْ ثَمَّ صَحَّ مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْته وَمِمَّا يُزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُ السُّبْكِيّ أَيْضًا وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ لَا شَكَّ فِيهِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ كَمَا سَبَقَ أَطْلَقَهَا أَوْ عَيَّنَهَا وَيُعَلَّلُ عَدَمُ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ وَإِنْ انْكَشَفَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بِأَنَّ الْبَرَاءَةَ هُنَا إنَّمَا كَانَتْ فِي ضِمْنِ الصُّلْحِ فَإِذَا فَسَدَ الصُّلْحُ فَسَدَتْ أَمَّا لَوْ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى فَالْإِبْرَاء هُنَا وُجِدَ مُسْتَقِلًّا لَكِنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَيْضًا وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ الصُّلْح أَبْرَأْتُك فَإِنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ الصُّلْح لَمْ يَبْرَأْ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ بَعْدَ قَبْضِ النُّجُومِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يُرَدُّ لِلرِّقِّ وَإِنْ اعْتَقَدَ فَسَادَهُ بَرِئَ لَكِنْ إنَّمَا يَأْتِي مَا قَالَهُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيَّ وَغَيْرهمَا فِي الرَّهْن وَنَظَائِرِهِ عَلَى ظَنِّ الْوُجُوبِ بِالْفَسَادِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي النَّوَوِيَّ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute