يَكُونَ الْأَصَحُّ هَذَا كَذَلِكَ أَيْ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَقَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ أَنْتَ حُرٌّ مُحْتَمِلٌ لِلْإِقْرَارِ وَالْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ صَارِفَةٌ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ عِتْقٌ بِخِلَافِ أَبْرَأْتُك فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِنْشَاءِ فَوَقَعَتْ بِهِ الْبَرَاءَةُ. اهـ. وَبِتَأَمُّلِهِ يَزِيدُ إيضَاحُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ لَا تُنَافِي مَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ فَوَاضِحٌ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ أَوْ بِفَسَادِهِ وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ فَلِكَوْنِهِ وَقَعَ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا لَوْ قَالَ أَبْرِئْ فُلَانًا مِنْ دَيْنِك أَوْ أَبْرِئِي فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَهُوَ فِي أَرْضِي الْفُلَانِيَّة أَوْ أَنَا بِهِ ضَمِينٌ فَأَبْرَأَ أَوْ أَبْرَأْت فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الِالْتِزَامُ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ كَلَامٌ جَمَعْته فِي تَعْلِيقَةٍ مِنْ فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْضِحُوا ذَلِكَ بِنَقْلِ مَا هُنَالِكَ وَابْسُطُوا وَاذْكُرُوا الْحَاصِلَ الْمُرَادَ آخِرَ الْكَلَامِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ لِآخَرَ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَيْك صَحَّ وَإِذَا رَدَّ يَبْرَأُ وَإِنْ قُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ فَهُوَ إسْقَاطٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَنَافِعَ بَدَنِهِ اهـ.
قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ لَا يَصِحُّ. اهـ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ لِدَائِنٍ أَبْرِئْ فُلَانًا مِنْ دَيْنِك بِهَذِهِ الْعَيْنِ فَقَالَ أَبْرَأْته بِهَا بَرِئَ وَمَلَكَهَا الدَّائِنُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبْرِئْهُ وَأَنَا بِهِ ضَمِينٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ضَمَانٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيل وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْمَشْهُودِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَدِينِ الْحَيِّ وَأَمَّا الْمَدِينُ الْمَيِّتُ فَهُوَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَعْنِي بَذْلَ الْعَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهِ كَالْحَيِّ بَلْ أَوْلَى فَيَصِحُّ الْبَذْلُ وَيَبْرَأُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاذِلُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَأَمَّا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَالضَّمَانُ وَيُغْتَفَرُ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ ضَمَانًا بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ تَعْجِيلًا وَتَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْحَيِّ فِي ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ إنْ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ صِحَّةِ الضَّمَانِ وَإِلَّا صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ فَإِنْ قُلْت مَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ قُلْت الْكَلَامُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا وَإِنْ أَدَّتْ إلَى طُولٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُبَادَرَ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إنْ تَيَسَّرَ فِي الْحَالِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ الدَّيْنِ وَهُوَ حَاضِرٌ قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ يَتَأَخَّرُ أَيْ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ. اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعِبَارَةُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَتَوَصَّلُ إلَى أَنْ يُحِيلَ غُرَمَاءَ الْمَيِّتِ عَلَى مَنْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهِيَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَلَيْسَتْ قَيْدًا ثُمَّ كَلَامهمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَة مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ ظَاهِر كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الْبَرَاءَةُ بِتَحَمُّلِ الْوَلِيِّ وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَكَيْفَ يَبْرَأُ الْمَضْمُون عَنْهُ ثُمَّ يُطَالَبُ الضَّامِنُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الْمَالَ عَنْ الْمَيِّتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْآن بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ حِين وَفَّاهُ لَا حِينَ ضَمِنَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَة جَائِزَةً مُبَرِّئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ. اهـ.
وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ فَقَالَ كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ وَنَازَعَ فِيهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَة تَفْتَقِرُ إلَى مُحِيلٍ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمَيِّتِ كَمَا فَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ لَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونَ حَتَّى قَالَ عَلَيَّ دَيْنُهُ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى احْتِيَالِ الْوَلِيِّ بَلْ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ. اهـ.
وَتَوَقَّفَ فِيهِ النَّشَائِيُّ أَيْضًا فِي جَامِعِهِ وَلَا تَوَقُّفَ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَكَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحَمُّلِ الْوَلِيِّ الْمُقْتَضِي لِانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَبَرَاءَةِ الْمَيِّتِ بِهِ لِلْمَصْلَحَةِ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِالْحَوَالَةِ أَنْ يُحِيلَ الْوَلِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute