وَمَسْأَلَتِنَا وَاضِحٌ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى نَحْوِ إرْثٍ أَوْ أَطْلَقَ وَانْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ حَقِيقَةً أَوْ احْتِمَالًا إلَّا بِذَلِكَ فَالْمَيِّتُ الْمُنْفَصِلُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ وَصَحَّ لِلْحَيِّ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ عُهِدَ لَهُ قَبْلَ الْآنَ مِلْكٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَصَحَّ إسْنَادُ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ فَدَخَلَ فِي مُطْلَقِ الْإِقْرَارِ لِلْأَوْلَادِ لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ يُخْرِجُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا لِحَيٍّ؛ لِأَنَّا لَوْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت فَرَّقَ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ قُلْت فَرْقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ عِلْمِ الْأُصُولِ وَمَبَاحِثِهِ، وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ غَالِبًا فَإِنْ قُلْت فَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمَوْتَى مِنْهُمْ حَتَّى لَا يُصْرَفَ مِنْهُ شَيْءٌ لِوَرَثَتِهِمْ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَقْفِ جَلِيٌّ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالْحَقُّ السَّابِقُ الْمَيِّتُ فِيهِ وَالْحَيُّ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إنْشَاءُ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَاشْتُرِطَ فِيمَنْ يُوقَفُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْوَقْفِ مِمَّنْ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ الْآنَ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِدُخُولِهِ فِيهِ فَالْمَلْحَظُ فِي الْبَابَيْنِ مُخْتَلِفٌ بَلْ بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَوْنِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ كَامِلِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ مِنْ أَرْضٍ وَأَخْشَابٍ وَبِنَاءٍ الْمَعْرُوفِ بِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصَّائِرِ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ الشَّرْعِيِّ وَجَمِيعَ الْبَيْتِ الصَّائِرِ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ أَوْلَادِ إدْرِيسَ الْكَائِنِينَ بِالْحِجَازِ بِجَمِيعِ حُقُوقِ ذَلِكَ مِنْ سَقِيَّةٍ وَمَنَافِعَ وَحُقُوقِ مِلْكٍ لِبِنْتِهِ فَاطِمَةَ مَثَلًا ثُمَّ وُجِدَ فِي مَكْتُوبٍ شِرَاءُ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ لِهَذَا الْمُقِرِّ مِنْ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَيْ: اشْتَرَى مِنْهُ سَقِيَّتَهُ وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعَ الْبُسْتَانِ بِجَمِيعِ السَّقِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِجَمِيعِ حُقُوقِ ذَلِكَ مِنْ سُقْيَةٍ وَمَنَافِعَ إنَّمَا هُوَ قَيْدٌ لِكَامِلِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ فَالضَّمِيرُ فِي سَقِيَّتِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ وَالْمَرْجِعُ إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِهِ الْبُسْتَانُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ.
فَتَكُونُ السَّقِيَّةُ أَيْضًا مُقَيَّدَةً بِقَيْدِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَإِلَّا يَكُنْ الْقَيْدُ لَغْوًا مَحْضًا فِي الْوَصِيَّةِ فَالْمُقَرُّ بِهِ إنَّمَا هُوَ جَمِيعُ السَّقِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمُشْتَرَى مِنْهُ لَا السَّقِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَحِينَئِذٍ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذِهِ السَّقِيَّةَ تَكُونُ زَائِدَةً عَلَى كِفَايَةِ الْبُسْتَانِ الْمُرْجَعِ لِلضَّمِيرِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ أَرْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَهَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِقْرَارِ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الْمُقَرِّ لَهَا جَمِيعُ السَّقِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَمْ عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ، ثُمَّ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الْكِفَايَةِ فَكَيْفَ الْعَمَلُ فِيهَا أَيْضًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعَ الْبُسْتَانِ وَسَقِيَّتَهُ، ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِسَقِيَّتِهِ سَقِيَّتُهُ الْمَوْجُودَةُ لَهُ حَالَ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَائِدَةً عَلَى السَّقِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُسْتَنَدِ الشِّرَاءِ أَمْ لَا فَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لِمَالِكِ هَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا حُمِلَ عَلَى مَالِكِهَا الْآنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ لِمَالِكٍ آخَرَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ قَدْ يَعْهَدُهَا وَلَا يَعْلَمُ انْتِقَالَهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ يَشْتَرِيهَا أَوْ يَتَّهِبُهَا أَوْ يَرِثُهَا أَوْ يَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَيَقُولُ آخَرُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَالِكِهَا الْآنَ قَطْعًا اهـ.
فَتَأَمَّلْ رِعَايَتَهُمْ لِلظَّاهِرِ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَالِكِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَإِعْرَاضَهُمْ عَنْ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْمُخْبِرِ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ سَبْقُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ وَأَيْضًا فَمَالِكٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَالِكِهَا حَالَ الْإِقْرَارِ مَجَازٌ فِي مَالِكِهَا قَبْلَهُ فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ وَمَحِلُّ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَرَادَهُمَا الْمُتَكَلِّمُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالسَّقِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَيَكْفِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَهَا ثُبُوتُهُ لَهَا قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ لَهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ لَا فِيمَا قَبْلَهُ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا حَالَ الْإِقْرَارِ وَيُنْزِلْ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا وَلَا نَظَرَ لِسَقِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute