مُسْتَنَدِ الشِّرَاءِ إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْ سَقِيَّتِهِ الثَّابِتَةِ لَهُ يَوْمَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِقْرَارِ عَلَى الْيَقِينِ أَوْ الظَّاهِرِ الْقَوِيِّ وَطَرْحِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ سَقِيَّتُهُ حَالَ الْإِقْرَارِ دُونَ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ إذَا تَخَالَفَتَا فَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَيْهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ دُونَ السَّقِيَّةِ السَّابِقَةِ طَرْحًا لِلْمَشْكُوكِ فِيهِ وَكَوْنُ الضَّمِيرِ فِي سَقِيَّتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْبُسْتَانِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ مُشْتَرًى مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْبُسْتَانَ قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمِلْكُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حَقٌّ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ السَّقِيَّةِ فَوَجَبَ النَّظَرُ إلَيْهَا حَالَ الْإِقْرَارِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ النَّظَرِ لِمَا قَبْلَهُ فَانْدَفَعَ ادِّعَاءُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ عَلَى أَنَّ هَهُنَا مَانِعًا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ شُرْبُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَتَصَرَّفَ فِيهَا الْمُشْتَرِي وَجَعَلَ لَهُ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ أَوْ زَادَ حَتَّى بَقِيَتْ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، ثُمَّ أَقَرَّ فَلَوْ حَمَلْنَا إقْرَارَهُ عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ دُونَ الْإِقْرَارِ لَكَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْقَاعِدَةِ وَكَلَامِهِمْ إذْ اعْتِبَارُ السَّابِقِ الْمُقْتَضِي وَالْإِعْرَاضِ اللَّاحِقِ الْمَوْجُودِ بَعِيدٌ مَعَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا حَالَ التَّلَفُّظِ بِهَا وَالْأَذْهَانُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ إلَيْهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ حَمْلُهَا عَلَى مَدْلُولِهَا حَالَ التَّلَفُّظِ بِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ لَمْ يَكُنْ لَا فِي جَوَابِ دَعْوَى إقْرَارًا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَيْدَ لَغْوٌ خِلَافًا لِمَا فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ فِي الْبُسْتَانِ تَعْرِيفُهُ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَفَائِدَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي سَقِيَّتِهِ لِلْبُسْتَانِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ رَبْطُ السَّقِيَّةِ الْمُقَرِّ بِهَا بِذَلِكَ الْبُسْتَانِ الْمُقَيَّدِ إذْ لَوْ حُذِفَ الضَّمِيرُ
فَقَالَ وَسُقْيَةُ لَكَانَ إقْرَارًا بِمَجْهُولٍ مُطْلَقٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ فَوَجَبَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْبُسْتَانِ حَتَّى تَرْتَبِطَ السَّقِيَّةُ بِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ حُمِلَ عَلَى دَرَاهِمِ الْبَلَدِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا حَالَةَ الْإِقْرَارِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ وَلَا نَظَرَ لِدَرَاهِمِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرْته هُوَ مَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ نَقْلِ مَا يُخَالِفُهُ. اهـ.
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ حَمَلُوا الدَّرَاهِمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ حُمِلَتْ عَلَى دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْوَازِنَةُ الْخَالِصَةُ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَوْهُ فَإِذَا خَالَفُوا الْقَاعِدَةَ تَحْكِيمًا لِلْمَعْهُودِ حَالَ الْإِقْرَارِ حَتَّى حَمَلُوهَا عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ السَّقِيَّةُ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى السَّقِيَّةِ الْمَعْهُودَةِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلْبُسْتَانِ بِقَيْدِهِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّقِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ حَالَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَمِمَّا سَيَأْتِي وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا وَالشَّجَرَةُ مُثْمِرَةٌ لَمْ يَدْخُلْ الْحَمْلُ وَلَا الثَّمَرَةُ.
قَالُوا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَاوَلَانِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَالشَّجَرَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ بِأَنْ كَانَا مُوصًى بِهِمَا فَإِذَا أَخْرَجُوهُمَا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ فَأَوْلَى إخْرَاجُ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُقِرَّ تَصَرَّفَ فِيهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ حَالَ كَوْنِ الْبُسْتَانِ عَلَى مِلْكِهِ، ثُمَّ إذَا انْتَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ مِنْ السَّقِيَّةِ وَوُجُودُهَا حَالَ الْإِقْرَارِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا أَمْرُ هَذَا الْبُسْتَانِ وَأَنَّهَا الَّتِي أَقَرَّ بِهَا دُونَ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ رَأَيْتُ مَا هُوَ أَصْرَحُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِمَّا مَرَّ وَهُوَ مَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالُوا قَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَضَابِطُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ أَيْ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَاءِ الْإِقْرَارِ عَلَى الْيَقِينِ وَبِنَاءِ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ اهـ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا الضَّابِطَ وَجَدْته شَامِلًا لِمَسْأَلَتِنَا فَتَكُونُ مَنْقُولَةً إذْ مَا دَخَلَ تَحْتَ كَلَامِهِمْ كَذَلِكَ يَصْدُقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute